خطبة الجمعة 17 جمادى الأولى 1445- الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: وسقطت الأقنعة

- قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات:6].
- تمثّل هذه الآية الشريفة واحدة من الوصايا الإلهية الخاصّة بكيفية التعامل مع الخبر والمعلومة التي تصلنا، والتي قد تكون كاذبة، أو تتضمّن مغالطات، أو تتم صياغتُها بصورةٍ يُراد من خلالها توجيه المتلقّي توجيهاً غير حيادي ولا نزيه لغرض من الأغراض، بما يمثّل صورةً من صور (التلاعب الإعلامي).
- من المفتَرض أن تكون (النزاهة – الحيادية – الصدق) جزءً لا يتجزّأ من أخلاقيات العمل الإعلامي... ولذا يأتي (التلاعب الإعلامي) على النقيض من ذلك.
- المشهد الفلسطيني في العدوان الصهيوني الذي عشناه -ونعيشه هذه الأيام- ساحة من
ساحات (التلاعب الإعلامي).
- ويذكر أهل الاختصاص في المجال الإعلامي أن هذا التلاعب قد يتضمن استخدام (المغالطات المنطقية)، و(التلاعب النفسي)، و(التضليل الكامل: أي تقديم معلومات خاطئة مضلِّلة)، و(حجب المعلومات) وغير ذلك، وقد مورست بأجمعها من قبل كثير من وسائل الإعلام المساندة للكيان الصهيوني، وبصورة سمجة تستخف فيها العقول.
- بعض وسائل الإعلام الغربية عندما كانت تتحدث عن صغار الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية فإنها عبّرت عنهم بعنوان (السجناء ممن هم تحت سن الثامنة عشرة) وعندما تحدثت عمّن يقابلهم من الإسرائيليين كانت تعبّر عنهم بعنوان (الأطفال الرهائن)! ولولا فضح هذا التدليس في وسائل التواصل عالمياً، وخاصة من الشباب لاستمر التدليس.
- هذا نموذج فقط من نماذج (التلاعب الإعلامي) الذي مارسته وما زالت تمارسه الكثير من وسائل الإعلام الغربية، وإلا فالأمثلة فوق أن تُحصى، وبلغت درجةً من الانحياز والوقاحة والكذب أن فقدت مصداقيتها لدى نسبة ملحوظة من جمهورها في الغرب.
- كما مارست بعض وسائل الإعلام العربية مثل هذا التلاعب في الكلمات بدوافع طائفية أو بدوافع أخرى خفية. ففي أجواء العدوان الصهيوني، يتم التعبير عن ضحايا العدوان في فلسطين بعنوان (الشهداء)، بينما يُعبَّر عن ضحايا نفس هذا العدوان وفي نفس المقطع الزمني -ولكن في جنوب لبنان- بعنوان (قتلى)، بمن فيهم زملاؤهم من الإعلاميين!
- تأتي كل هذه بمثابة رسائل خفية يستقبلها المتلقّي -دون شعور منه- فتترك أثرَها في عقله ونفسه، لتنعكس لاحقاً من خلاله مواقفه وآرائه بالصورة التي أرادها صانعو الخبر.
- إن واحدةً من نتائجِ طوفان الأقصى تتمثّل في إسقاط الأقنعة، على مستوى الأفراد، والأحزاب، والجماعات، والدول، والمؤسسات الإعلاميةِ وغيرِها، فَإنّ المَرْءَ – كما روي عن علي (ع)- (مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ)، فما دام صامتاً فلن تكتشف ما يخبؤه في قلبه.. والمواقف هي التي تكشفه وتعرّيه وتفضحُه حين يُعبّر عن مكنون صدره في اللحظات الضاغطة، فيناصرَ الظالم، أو يخذُلَ المظلوم، أو يمارسَ التمييز، أو يتلاعبَ في الكلمات، أو يُزيّفَ المعلومة... ولذا قال (ع) في بداية هذه الحكمة (تَكَلّمُوا تُعْرَفُوا)... كما وأسقط طوفان الأقصى القناعَ عن أدعياءِ حريةِ الكلمة حين أقفلوا أبواب وسائل التواصل الاجتماعي أمام التعبيرِ الإنسانيّ الحرّ -بالصورة والكلمة- عن الجرائم الصهيونية المتوحّشة التي يندر أن يكون لها مثيلٌ في التاريخِ البشري، وكشفوا عن وجههِم القبيحِ الذي لا يختلفُ عن وجوهِ كثيرٍ مِن الطواغيتِ الذين لطالما لعنُوهم بذريعةِ أنّهم أعداءُ الحريةِ وحقوقِ الإنسان! وأخيراً، تحيةَ إكبارٍ وتقديرٍ لشبابنا الكويتي الذين تميّزوا في الأسابيع الماضية -بصورةٍ أكثر من رائعة- من خلال مواقفهم المناصرة للحقِّ الفلسطيني، ومواجهةِ الطغيانِ الصهيوني، على مستوى الحضورِ الميداني، والمقاطعةِ التجارية، والمساندةِ الإعلامية، وغير ذلك مما صار مضرباً للمثل في المنطقة، فبوركتم وبوركت جهودُكم المخلِصة النابعة من الروح الإنسانية، والمسئولية الدينية. أخيراً.. كلُّ الدعاء للمقاومين الأبطال.. وكلُّ الدعاء لضحايا العدوان الصهيوني.. وبانتظار النصر النهائي الذي لابد وأن يأتي -إن شاء الله- مادام في البين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه.