خطبة سماحة الشيخ علي حسن غلوم حول شرح الصدر وأثر ذلك في العلاقات الزوجية


(ن) فتاة في العشرين من عمرها، لم يمضِ على عقد قرانها أكثر من شهر، تقف مع والدها أمام إحدى غرف المحكمة بانتظار الدخول على قاضي الأحوال الشخصية، أملاً في الحصول على الطلاق من زوجها (ج) الذي لا يكبرها أكثر من ثلاث سنوات.
على وجهها مزيج من مشاعر الغضب والحزن، وعيناها المحمرّتان تقولان الكثير... أما الأب فإنه لا يفتأ يتمتم بكلمات تفوح منها رائحة اللوم والعتاب، وهو يسعى لإخفاء حالة الإحراج التي يشعر بها جرّاء كونه في مثل هذا الوضع الذي لا يحسده عليه أحد...
الأب: قلت لكِ لا فائدة تُرجى منه.. فحاله لا تنصلح...
وترد البنت المنكوبة: أنتم أجبرتموني على الزواج.. أردتُ أن أكمل دراستي فأجبرتموني على الزواج.
الأب: لن تتنازلي عن فلس واحد.. لابد أن نُحرق قلبه كما أحرق قلبك الصغير.. أنا يعاملني بهذه الطريقة؟ تمهّلي حتى ندخل على القاضي حتى تعلمي ما سأفعل.
وتدخل (نون) مع أبيها، لتبقى في دهاليز المحكمة وأروقتها أشهراً طويلة حتى يصدر القرار النهائي، فهي ليست أوّل من تقدم بطلب الطلاق، ولن تكون آخر زوجة... فمثلها بالمئات.
تعددت الأسباب والطلاق واحد:
كثيرة هي الدراسات والاستبانات المنشورة بخصوص أسباب الطلاق، إلا أن (ضيق الصدر) من العوامل الرئيسة، وفي المقابل فإن (شرح الصدر) من العوامل المهمة لضمان استمرار العلاقة الزوجية.
فضيق الصدر قد يبلغ حدَّ ما في قول الله عزوجل (حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ) (التوبة:118)، وشرح الصدر من الأهمية بمكان حتى منَّ الله به على نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حين توجه إلى ربه بالخطاب: (أي رب، أنه قد كان أنبياء قبلي، منهم من سخَّرت له الريح، و منهم من كان يحيي الموتى) فكأنه يطلب من الله أن يعطيه ما يقوّي به شأنه، فجاءه الخطاب القرآني: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) (الشرح:1-4)، لأن شرح الصدر يعني أن يكون قلب الإنسان واسعاً كالبحر، لا تظهر فيه المؤثرات السلبية، وإذا ظهرت سرعان ما تختفي وتزول، ويبقى البحر.
موسى يطلب شرح الصدر
شرح الصدر كان هو المطلب الأول للنبي الكريم موسى عليه السلام حين أمره الله أن يبلّغ كلمته لفرعون (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) (طه:24)، فقال عليه السلام (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) (طه:25)، فما الذي كان يخافه موسى عليه السلام؟ (رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى) (طه:45)، و (رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ... وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ) (الشعراء:12-14).
وهذا يعني أنه عند طغيان الطرف الآخر الذي نتعامل معه، وتجاوزه الحد في أدب التعامل ومراعاة طبيعة العلاقة، وقيمة الإنسان، وعندما يفرط الطرف الآخر فيشتم ويسئ، فنحن بحاجة حينئذ أن يكون قلبنا كالبحر الذي يستقبل الماء الآسن، ويواجه الريح العنيفة، فلا يتأثر، وإذا تأثر سرعان ما يعود إلى حالته السابقة، ويبقى قوياً قادراً على النهوض من جديد والاستمرار في طريقه.
طلاق ضيق الصدر:
وعلى ما تقدّم، فإن كثيراً من المشكلات التي تواجه الزوجين ـ لاسيما حديثي العهد بالزواج ـ مردّها ضيق الصدر عند الطرفين، ومتى ما تحلى الطرفان بسعة الصدر، فإن بمقدورهما أن يُكملا مشوار الحياة... وإن كبا أحدهما أخذ الآخر بيده، لأن المسألة عندهما ليست مسألة تحدٍ ولا (كسر عظم)، وإنما هو كيان توافقا على إنشائه، وتعاهدا على بذل الجهد لترسيخ أركانه، ولأنهما يدركان أن العفو عن زلل الآخر لن يزيد مَن عفا إلا عزاً.
كلمات من نور:
عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: ( من صبر على خلق امرأة سيئة الخلق واحتسب في ذلك الأجر، أعطاه الله ثواب الشاكرين).
وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: (ثلاث من النساء يرفع الله عنهن عذاب القبر ويكون محشرهن مع فاطمة بنت محمد عليها السلام: امرأة صبرت على غيرة زوجها، وامرأة صبرت على سوء خلق زوجها، وامرأة وهبت صداقَها لزوجها، يُعطي الله كل واحدة منهن ثواب ألف شهيد، ويكتب لكل واحدة منهن عبادة سنة).