خطبة سماحة علي حسن غلوم حول المحكمة الجعفرية في الكويت ـ الجزء الثاني


انطلاقاً من الدستور الكويتي، واحتراماً لحقوق المواطنين والمقيمين فقد أنشأ قسم المحكمة الجعفرية في الكويت قبل عقود، وهو بحد ذاته يعد إنجازاً مهماً في بلد يحترم التعدد المذهبي، إلا أنني أود أن أسجّل مجموعة من الملاحظات في إطار أحكام الطلاق الصادرة من هذه المحكمة وفق المعطيات الواقعية، أملاً في إعادة النظر في أوضاع هذه المحكمة، و تحريك القضية على المستوى الرسمي بحثاً عن الحلول المناسبة.
لماذا قضايا الطلاق؟
واختياري لخصوص مسألة الطلاق ينبع من خصوصية أحكام هذا التشريع السماوي في الفقه الجعفري (الإمامي)، وهو ما توضحه النصوص التالية:
1ـ عن عمرو بن رياح عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: بلغني أنك تقول: مَن طلَّق لغير السنّة (أي وفق سنة النبي) أنك لا ترى طلاقه شيئاً؟ فقال أبوجعفر عليه السلام: ما أقوله، بل الله عزوجل يقوله، أما والله لوكنا نفتيكم بالجور لكنا شراً منكم لأن الله عزوجل يقول: (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون).
2ـ وعن الإمام الصادق عليه السلام: لا يقع الطلاق إلا على كتاب الله والسنة، لأنه حدٌّ من حدود الله عزّ وجلّ، يقول: (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ )، ويقول: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)، ويقول: (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله رد طلاق عبدالله بن عمر لأنه كان على خلاف الكتاب والسنة.
وفي حديث آخر أنه طلقها ثلاثاً وهي حائض.
3ـ قال الفقهاء: الطلاق السنّي هو الطلاق الجامع للشرائط التالية:
ـ يشترط في المطلِّق: البلوغ، والعقل، والقصد، والاختيار.
ـ ويشترط في المطلَّقة: كونها زوجة دائمة وطاهرة من الحيض والنفاس (وفي المسألة استثناءات)، وطاهرة في طهر لم يجامعها زوجها فيه (وفيها استثناءات)، وأن تُعيّن المطلّقة.
ـ ويشترط في الطلاق: أن يكون بصيغة خاصة، وأن لا يكون معلّقاً على شئ (كقدوم أحد من السفر)، وشهادة رجلين عادلين.
وما كان فاقداً لشرط منها كان طلاقاً بدعياً باطلاً لا قيمة له، والعلاقة الزوجية باقية على حالها.
ملاحظات:
1ـ عدم تعيين العدد الكافي من القضاة الشيعة، حيث يقوم بعض قضاة أهل السنة بهذا الدور، ومع احترامي الكامل لأشخاصهم، إلا أنني أتساءل عن مدى إحاكتهم بتفاصيل أحكام الفقه الجعفري وفتاوى الفقهاء في هذا الإطار، وعن مدى تطبيق الأحكام على مفرداتها الخارجية.
2ـ في الحالات التي يُقدِم فيها الزوج على الطلاق برغبته، فهل يلتزم القاضي عند أخذ التوكيل من الزوج للطلاق بإجراء صيغة الطلاق أمام شاهدين عدلين، والتحقق من توفر سائر الشرائط؟ وما آلية ذلك؟
3ـ من خصوصيات الفقه الجعفري أنه في الحالات التي يرفض فيها الزوج أن يطلق، لابد أن يكون القاضي مجتهداً جامعاً للشرائط، أو مجازاً من قبله، بينما القضاة من أهل السنة وكثير من القضاة الشيعة لا يتوفر فيهم هذا الشرط.
نتائج الوضع السابق:
1ـ الزوجة تصبح مطلقة قانوناً، وزوجة شرعاً.
2ـ يمكنها الزواج ـ بعد العدة ـ من الناحية القانونية، فلو أقدمت على ذلك جهلاً أو عمداً، بطل النكاح، وحرمت على الزوج الثاني مؤبداً.
3ـ لا تستحق نفقة من زوجها الأول، لأنها طليقته قانوناً، بينما تستحقها شرعاً (إن لم تكن ناشزاً).
4ـ يمكن للزوج استغلال هذا الوضع، وإبقاء زوجته معلّقة، لعلمهما بتفاصيل الأحكام الشرعية وبطلان مثل هذا الطلاق.
وهناك حالات عديدة في مجتمعنا ـ وللأسف ـ شهدت هذا الوضع، وهي تعاني من آثار شرعية واجتماعية ونفسية سيئة.
محكمة الاستئناف:
يتوفر في محكمة الاستئناف ـ حالياً ـ اثنين من القضاة الجعفريين المجازين من قبل المجتهد لإصدار أحكام الطلاق الآنفة الذكر، فلو استأنف أحد الزوجين الحكم، كان الحكم الصادر شرعياً، إلا أن الحاجة قائمة لزيادة عدد القضاة الذين يجب أن تتوفر فيهم الشرائط، ولضمان استمرارية هذا الوضع في المستقبل أيضاً.
محكمة التمييز:
أما محكمة التمييز فلا يتوفر فيها أي من القضاة الجعفريين المجازين، وعليه لو استأنف أحد الزوجين، وأبطل القاضي حكم محكمة الاستئناف، فالنتائج الشرعية المترتبة ستكون مشابهة لما ذكرناه مسبقاً، فقد تتزوج المطلقة طلاقاً شرعياً بحكم قاضي الاستئناف، ثم يُبطل قاضي التمييز الحكم، مما يعني أنها زوجة الثاني شرعاً، وهي زوجة الأول قانوناً!!
تحرّك جاد:
ختاماً أقول لكل المسئولين وأعضاء مجلس الأمة: المسألة لا تحتمل التأخير، فكلما بادرنا في إيجاد الحلول المناسبة كلما قللنا من الآثار السلبية المترتبة على الأنكحة الباطلة والطلاقات غير الشرعية، وهي مسئولية شرعية ووطنية نُساءل عنها جميعاً.