خطبة الجمعة 6 ذوالقعدة 1444- الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: الإرث ومخاطر التمييز بين الأبناء

- قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) [النساء:29].
- انتقال ملكية الأشياء من فرد إلى آخر، وعملية تبادل الملكية أيضاً، أمر طبيعي في ظل حياة إنسانية مشتركة.
- وهناك صور متعددة تتحقق من خلالها عملية الانتقال والتبادل هذه بحيث تكون مقبولة عقلاً، وشرعاً، ومن الناحية الأخلاقية أيضاً، كما أن في البين صوراً أخرى يرفضها العقل، ويحرّمها الشرع، ويجرّمها القانون، وهي قبيحة من المنظور الأخلاقي.
- عندما أهديك شيئاً أملكُه، وعن طيب خاطر، ومن دون أية محاذير، فهذا نقل للملكية (في حياتي) من الصنف الأول الراجح عقلاً، وشرعاً، وقانوناً، وأخلاقياً.
- وعندما أوصي لك بوصية مالية في حدود الثلث، ومن دون أية محاذير، فهذا نقل للملكية (بعد مماتي) من الصنف الأول الراجح عقلاً، وشرعاً، وقانوناً، وأخلاقياً.
- وعندما أبيعك شيئاً، وعن رغبة شخصية، ومن دون أية محاذير، كمحذور بيع شيء من المخدِّرات أو المُسكرات، فهذا نقل للملكية من الصنف الأول الراجح عقلاً، وشرعاً، وقانوناً، وأخلاقياً.
- أحياناً، عملية الإهداء أو الوصية هذه قد تتضمّن محذوراً ما، بحيث يجعلها تصرّفاً لا أخلاقياً، وإن جاءت الفتوى بصحة ذلك وإمضائه، ولكنه تصرّف غير حكيم، لا يُنصح به.
- مثال ذلك ما جاء في رواية أنه: (قالت امرأة بشير لبشير: انحَل ابني غلامَك، وأشهد لي رسول الله [ص]، قال: فأتى النبيَّ [ص] فقال: يا رسول الله، إن ابنة فلان سألتني أن أنحَل ابنها غلامي. وقالت: وأشهِد رسولَ الله [ص]. فقال: أ له إخوة؟ قال: نعم، قال: أفكلَّهم أعطيتَ؟ قال: لا، قال: فإنَّ هذا لا يصلُح، وإني لا أشهد إلا على حق).
- ومثل هذا الإهداء، هناك الوصية المالية لبعض الأبناء دون بعض، ومن دون مبرر، بما يزرع الكراهية، ويفكّك الروابط الأسرية، ويخلق النزاعات فيما بينهم، ولربما تمتدّ القطيعة بذلك لأجيال... فهذا تصرّف مرجوح، وغير حكيم.
- نعم، الوضع يختلف لو كان في البين مبرّر، ومثال ذلك أن يكون بعضُ أولاده معاقين، وهم بحاجة إلى رعاية إضافية، فيخصِّص لهم شيئاً من ثلثه، إضافةً إلى نصيبهم في الإرث، أو يكون لديه بنات غير متزوجات وبحاجة للبقاء في بيت الأب بعد وفاته، بما يستدعي منه إجراءً معيناً حال حياته، كحبس البيت ما دمن عزباوات، وأمثال ذلك.
- وقد يصل انتقال الملكية -ظاهرياً- إلى حدّ الحرمة والبطلان، ويكون مصداقاً من مصاديق أكل المال بالباطل، وهناك أمثلة عديدة لذلك، وليس بالضرورة أن تكون من قبيل الربا والسرقة والقمار، وسنتوقف بإذن الله تعالى في الخطبة الثانية عند بعضها لتكرّر صورِها، وكثرة ما يرد من الشكوى فيها، وخطورة آثارها في الدنيا والآخرة.