خطبة الجمعة 28 جمادى الآخرة 1444: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: خاب الوافدون على غيرك


- حينما كان الناس يموجون في الشرك، ويسجدون للأوثان والأصنام، كان أمير المؤمنين علي (ع) يسجد لله وحده، حتى صار إذا ذُكر اسمُه قيل: (كرّم الله وجهه).
- ونجد في تراثه المروي أمثلةً عديدة لكلماته حول توحيد الله، ومنها ما جاء في الخطبة الأولى والتي قال فيها: (أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ، وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْديقُ بِهِ، وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ، وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الإخْلاصُ لَهُ) ثم يستغرق (ع) في شرح مفهوم التوحيد والصفات بصورة أدهشت البعض حتى أنكروا أنها لعلي (ع) لعمق مفاهيمها الفلسفية.. ولكنه علي.. وما أدراكم ما علي!
ـــ ثم استمر الأئمة من أهل البيت (ع) في حمل راية التوحيد وترسيخ مفاهيمه، ومواجهة المحاولات التي جرَت لتشويه حقيقته، وتحريفه بصورة أو بأخرى.
- تصوّروا أن يصل الحال بالمسلمين في الفهم الخاطئ لمسألة التوحيد أن يتجرأ أحدُهم في أوساطهم ليقول -تعالى الله عن قوله علواً كبيراً- عن الذات الإلهية:
وما الكلبُ والخنزيرُ إلا إلهُنا وما الله إلا راهبٌ في كنيسة
- وهذا ما حذّر منه الإمام الصادق (ع) مِن قبلُ، معتبراً أصحابَ مِثل هذه المقولات من أعدائهم وإن تظاهروا بغير ذلك.
- وكان الدعاء باباً من أبواب ترسيخ المعرفة التوحيدية على المستويين الفكري والعملي، وهذا ما نجده مثلاً في دعاء من أدعية الصادق (ع) في شهر رجب، إذ روي أنه كان(ع) إذا دخل شهر رجب يدعو بهذا الدعاء، وفي كل يوم من أيامه: (خاب الوافدون على غيرِك، وخَسِرَ المتعرِّضون إلا لك، وضاع المُلمّون إلا بك، وأجدب المنتجعون إلا مَن انتجَع فضلك، بابُك مفتوح للراغبين، وخيرُك مبذول للطالبين، وفضلُك مباحٌ للسائلين، ونيلُك متاحٌ للآملين، ورزقُك مبسوطٌ لمن عصاك، وحِلمُك معترضٌ لمن ناواك، عادتُك الإحسانُ إلى المسيئين، وسنّتُك الإبقاءُ على المعتدين، اللهم فاهدني هدى المهتدين وارزقني اجتهاد المجتهدين، ولا تجعلني من الغافلين المُبعَدين، واغفر لي يوم الدين).
- ففي الدعاء السابق عمل الإمام (ع) أيضاً على تأكيد التوحيد في الدعاء لله، فمن يَسأل الله يُجبْه، ومَن يَطلب منه يُعطيه، تماماً كما أكد ذلك من قبل جدُّه زين العابدين (ع).
ــــ فعن أبي حمزة الثمالي أنه قال: (سمعْتُ علي بن الحسين (ع) يدعو في الحِجْرِ في غُرَّة رجب في سَنةِ ابنِ الزبير) أي التي قُتل فيها عبدالله بن الزبير، وهي سنة 73 هـ (فأنصَتُّ إليه، وكان يقول: يا مَنْ يَمْلِكُ حَوائِجَ السّائِلينَ، ويَعْلَمُ ضَميرَ الصّامِتينَ، لِكُلِّ مَسْأَلَة مِنْكَ سَمْعٌ حاضِرٌ وَجَوابٌ عَتيدٌ، اَللّـهُمَّ وَمَواعيدُكَ الصّادِقَةُ، وأياديكَ الفاضِلَةُ، ورَحْمَتُكَ الواسِعَةُ، فأسْألُكَ أن تٌصَلِّيَ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وأنْ تَقْضِيَ حَوائِجي لِلدُّنْيا وَالآخِرَةِ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شيء قَديرٌ).
- فلننطلق في شهر رجب -الوافد علينا بعد أيام- أن نقول لربنا عندما ندخل في ساحات رحمته في هذا الشهر وما بعده: يا ربَّنا، إننا عبادك الخاشعون لك، المطيعون لك، فوفِّقنا -يا ربنا- أن نُطهّر أنفسَنا مِن كل ما يُغضبُك ويُسخِطُك، وأن تكون غايتُنا رضاك، فهو الفوز العظيم. ولننطلق في هذا الشهر في علاقتنا مع الناس بما يحمله من عنوان الشهر الحرام، أن نطلب من الله أن يوفّقنا من أجل أن نستزيد فيه من الرحمة وعمل الخير والتسامح، وأن نتطهّر بفضله ومَنِّه مِن كل حقد وبُغضٍ ونيةِ سوء.