خطبة الجمعة 4 ربيع الأول 1444: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: تسوى عليك؟


- روي عن الإمام العسكري (ع) أنه قال: (ما أقبحَ بالمؤمن أن تكون له رغبةٌ تُذلّه).
- أراد الله سبحانه للمؤمن أن يجمع بين العزة والذلّة... فعلى مستوى العلاقة مع الله سبحانه، الذلّة هي العنوان المفترض، لما يستشعره المؤمن من ضعف أمام قوة الله، وحاجةٍ أمام غِنى الله، وخوفٍ ناتجٍ عن الاعتراف بالخطايا والتقصير.
- ونقرأ في الصحيفة السجادية هذا الوصف في دعاء يوم عرفة: (وَهَا أَنَا ذَا بَيْنَ يَدَيْكَ صَاغِراً ذَلِيلًا خَاضِعاً خَاشِعاً خَائِفاً، مُعْتَرِفاً بِعَظِيمٍ مِنَ الذُّنُوبِ تَحَمَّلْتُهُ، وَجَلِيلٍ مِنَ الْخَطَايَا اجْتَرَمْتُهُ، مُسْتَجِيراً بِصَفْحِكَ، لَائِذاً بِرَحْمَتِكَ، مُوقِناً أَنَّهُ لَا يُجِيرُنِي مِنْكَ مُجِيرٌ، وَلَا يَمْنَعُنِي مِنْكَ مَانِعٌ).
- وفي المقابل، فقد أراد الله سبحانه للمؤمن أن يكون عزيزاً قوياً ذا منعةٍ أمام الرغبات التي تذلّه، وتجعله لا يبالي بارتكاب الحرام ليحقّقَها، أو يهينُ نفسَه أمام إنسانٍ مثلِه لينالها، أو يتنازلُ عن مبادئه وقِيَمِه ليحصلَ عليها.
- وكلُّ إنسان بحسبِه... فمنهم من يذلّه بطنه... ومنهم من يذلُّه فَرْجُه... ومنهم من يُذلّه المال... ومنهم من يذلّه الجاه والشهرة...
- تجد رجلاً ستينياً متأنّقاً يتسكّع في مقاهي المجمعات التجارية، يلاحق بعينيه كل امرأة تمرّ، ويُسمِع هذه كلمة، فيُشتَم، ويكلّم أخرى فيُحتقَر! ماذا بقي من عمرك كي تتصرف بهذه الصورة؟
- لو كنتَ شاباً لتفهّم الناس وضعَك، ولربما عذروك فقالوا: فورة الغريزة.. وأما وقد بلغتَ هذا المبلغ من العمر، فما معنى هذا التصرف؟ عن الباقر (ع) قال: (قال رسول الله [ص]: ثلاثة لا يكلّمهم الله عز وجل، ولا ينظر إليهم، ولا يزكّيهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك جبار) وفي رواية [كذاب] بدلاً من [جبار] (ومقلٌّ مختال).
- ففي كل الموارد السابقة لا داعي لأن يتصرّف الإنسان بهذه الصورة السلبية... فمن يصل سن الشيخوخة خفّت قواه الغرائزية والجسدية.. ومن تكون بيده السلطة لا حاجة له لأن يتجبّر فيضطهد ويؤذي الناس، أو لا حاجة له لأن يكذب، فهو صاحب السلطة.. والفقير، علامَ يختال ويتكبّر؟
- وهكذا تجد السبعيني وهو يذلّ نفسه من أجل أصوات بعض الناخبين، يُقبّل رؤوسَهم، ويستجدي أصواتَهم، ويكذب، ويترجّى المسئولين ليمرّروا معاملات الناخبين.. كل ذلك من أجل أن يصل إلى البرلمان ومِن ثم يُشبِع رغبته في الشهرة، أو المال الفاسد، أو الشعور بالعظمة، وغير ذلك.. كم بقي من عمرك؟ ألا يستحق هذا المتبقّي من العمر أن يُصرَف في طاعة الله، والتقرّب إليه، والاستعداد لما بعد الموت؟
- فعلاً، كما قال الإمام العسكري (ع): (ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رغبةٌ تُذلّه).