عدوى الفساد : ليالي عاشوراء 1444 - المجلس التاسع

تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ 83
القصص
لو تتبعنا الآيات القرآنية التي تطرقت لعنوان الفساد فسنجد أنها تحدثت عن الموارد التالية:
1. الفساد في الدين: وَمِنْهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ 40 يونس
2. الفساد الأمني: إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ .... 33 المائدة
3. الفساد الاقتصادي: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ 36 العنكبوت
4. الفساد الاجتماعي: ... وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 220 البقرة
5. فساد الحكام: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ 4 القصص
6. فساد حاشية الحكام: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ 14 النمل
7. فساد عِليةِ القوم وسادتِهم: وَلاَ تُطِيعُواْ أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ 151 الَّذِينَ يُفْسِدُونَ في الأرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ 152 الشعراء
8. فساد قوم محددين: وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا 4 الإسراء
9. فساد الأثرياء: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ 77 القصص
وأريد أن أتوقف عند واحدة من المفردات السابقة وهي الصورة التي تم تقديمها من خلال النموذج القاروني في سورة القصص
ومن ثم نستخلص بعض الفوائد والقواعد القرآنية التي تعالج موضوع الفساد وقايةً منه وعلاجاً.
وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ 77 قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ 78
القصص
تذكر الآية الأولى أربع قواعد للتعامل مع النعم التي أنعم الله بها على عباده:
1. (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ)
عندما يضع الإنسان هذه الغاية الأخروية كدافع حقيقي ورئيس في كسب الرزق وفي الإنفاق، فإنه سيعمل على أن يكون طلب الرزق وموارد الإنفاق ضمن حدود ما يُرضي المنعم عز وجل.
2. (وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)
فلا حِرمان من التصرَّف بنعم الله في شئون الدنيا وملذَّاتها،
ولكن على الإنسان أن يُدرِك أن هذا الأمر مقدَّر بقدَر،
هناك نصيب من هذه النعم يحق لك التلذذ والتمتع به، ولكن عندما تتجاوز ذلك فأنت مسرف أو مهملٍ لحقِّ الله ونصيب الآخرة منه.
3. (وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ)
كن -بهذه النعم- عنصراً مفيداً للمجتمع، وسخِّرها في ما يعود على شركائك في هذه الحياة بالخير، متخلِّقاً بأخلاق الله.
4. (وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)
لا توظف قدراتك وإمكاناتك وأموالك في الفساد. الفساد بمثابة السوسة التي تنخر في جسد النِّعم.
من يريد أن يحافظ على نعم الله عليه، ينزّه نفسَه عن الفساد والإفساد معاً.
في هذا العصر صور كثيرة للفساد على أكثر من صعيد، وقد لا يتبادر إلى الذهن أن الدين يتحدث عن هذه الصور
وليس بالضرورة أن يكون الفساد مرتبطاً بالزنا وشرب الخمور مثلاً،
فسرقة الأموال العامة من الفساد، ورُشى القضاء من الفساد، والترقية الوظيفية لمن لا يستحق ولكن بلحاظ ديني أو مذهبي أو قبلي أو أسري أو حزبي من الفساد، والغش التجاري من الفساد، والاحتكار من الفساد، وغسل أموال تجارة المخدرات والعصابات وأمثال ذلك من الفساد، وإهمال الموظف في أداء مهامه الوظيفية من الفساد، وعلى هذا فقِس.
وليس بالضرورة أيضاً أن يكون الفاسد تاركاً للصلاة، شارباً للمسكرات، معاشراً للفاسقات.
بل قد يكون الفاسد مصلياً صائماً، بل وحتى مزكياً... ولكنه مع هذا يمارس الفسادَ والإفساد.
- كما وليس بالضرورة أن يكون الفاسدُ المفسد فرداً، فقد يكون مؤسسة، وقد يكون برلماناً، كما قد يكون حكومة، وعليه فإن القواعد الأربع التي ذكرناها لا تخص عمل الأفراد فحسب، بل تسري على الكيانات أيضاً.
- وعندما يمتزج ذلك كلُّه بالغرور والاستكبار والتعالي على النصيحة المقدَّمة من المخلصين والمحبِّين والساعين للخير والإصلاح فإن النتيجة ستكون كارثية على المستويين الدنيوي والأخروي
أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا
وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ
أخرويا
وكما أن المقدمات لا تخصّ الأفراد فحسب، فإن النتائج الكارثية المترتبة على خرق القواعد الأربع في التعامل مع نعم الله سبحانه وتعالى أيضاً تسري على الكيانات كما تسري على الأفراد.
هل بالضرورة أن يكون الإهلاك بأمر خارق كما حصل لقارون؟
فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ 81
القصص
أبداً...
العديد من الأبحاث تؤكد أن عدم النزاهة يولّد عدم النزاهة، وهو ما يؤدي إلى الانتشار السريع في المجتمع لسلوك يتنافى مع الأخلاق.
بعض الإحصائيات الصادرة عام 2017 أن 1 من بين كل 4 -ممن شملتهم إحدى الاستطلاعات- صرح بأنه دفع رشوة لقاء خدمات عمومية خلال 2016. ويبدو أن هذا النوع من الفساد منتشر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
دراسة في مجال علم النفس والاقتصاد السلوكي:
(تخيّل أنك توجهت إلى مقرّ بلديّتك لطلب استلام رخصة ترميم منزلك، وقد كنت تقدمت بطلبك قبل أيام.
فيقول لك الموظف إنه نظراً للعدد الكبير من الطلبات التي تلقّتها مصلحته، سيستغرق معالجة ملفك 9 أشهر لإصدار التصريح، ولكن، إذا دفعت 100 دولار،
فسوف نعالج ملفك بسرعة. ستدرك في تلك اللحظة أن الأمر يتعلق بطلب رشوة للحصول على معاملة تفضيلية.
من الجائز أن تتوالى عندئذ في ذهنك سلسلة من التساؤلات:
هل أدفع لتسريع الأمور؟
هل سيفعل بعض أصدقائي وأقاربي نفس الشيء في مثل هذه الحالات؟
هل سيجرّني هذا لفعل مماثل في المستقبل؟
1. مجرد التعرّض للفساد -وإن لم يستجب له الفرد- يعرّضه للوقوع في الشّرَك مستقبلاً ما لم يتم اتخاذ تدابير وقائية. فالفساد يسري كالمرض المعدي بشدة، وتأثيره قائم من حيث تشعر ولا تشعر.
س: هل ستؤثر تجربتك تلك على ردّك إذا ما تعرّضت مجدداً إلى وضع مشابه؟
ج: تلقّي طلب رشوة يؤدي إلى تآكل الشخصية الأخلاقية للفرد، مما يدفعه إلى التصرف بشكل غير نزيه في القرارات الأخلاقية اللاحقة.

2. عندما يلاحظ الأفراد عضواً في مجموعتهم يتصرف بطريقة غير شريفة فإنهم يميلون إلى التصرف مثله بطريقة غير شريفة. ونتيجة لذلك تتآكل الأعراف والأخلاق الاجتماعية والمبادئ الدينية... وتتضخّم الحالة، وقد يبلغ [الورم] حداً يستعصي التخلص منه.
3. البعض مثلُهُم مثل مَن يتعاطى المواد المخدِّرة، لا يكتفي هو بنفسه أن يتعاطاها، بل يسعى لأن يبلي الآخرين بهذا الداء.
ولاحظ الباحثون أن ميل الناس إلى التصرف غير النزيه يتشابه في جميع البلدان.
س: فكيف نفسر الاختلافات الكبيرة بين الدول في مستويات الفساد والرشوة؟
ج: المعايير الاجتماعية وصرامة تطبيق القوانين تؤثر بشدة على التصورات والسلوكيات البشرية.
بينما شجّعت تجارب الفساد الناجحة (التي لم يجد الفاسدون من يعاقبهم ويقتصّ منهم) على ارتكاب موارد من الفساد.
التجربة السنغافورية
وهذا ما يمكن التوصل إليه من خلال قراءة التجربة العملية الناجحة لإعادة تشكيل سنغافورة في النصف الثاني من القرن العشرين على يد رئيس وزرائها الأسبق (لي كوان يو)
إنجاح المشروع :
التخطيط
حشد الطاقات
جذب المستثمرين
تشجيع المواطنين
ولكن مربط الفرس: القضاء على الفساد
فلو وجدت ثقوب في جيب الاقتصاد الوطني من خلال الفساد، فإن كل الجهود ستذهب أدراج الرياح
لقد كان الحسين (ع) واضحاً في أهداف حركته، وغايات نهضته، إذ بيّن ذلك في خطاباته وشعاراته التي أطلقها، ومن ذلك ما رواه الطبري عن عقبة بن أبي العيزار:
(إنّ الحسين خطب أصحابه وأصحاب الحر بالبيضة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الحسين خطب أصحابه وأصحاب الحُر بالبيضة فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس،
إن رسول الله (ص) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحُرم الله، ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله، (ص) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يُغيّر عليه بفعل ولا قول
كان حقاً على الله أن يدخله مدخله. ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفئ، وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله وأنا أحق مَن غيّر).
وقد أدرك عليٌّ الأكبر هذه الغايات، ووعاها، ولذا كان متحمساً كأبيه سيد الشهداء لتقديم كل شئ من أجل تحقيقها ما دام في ذلك لله رضا، وما دامت بعين الله سبحانه.
في تاريخ الطبري عن عُقبة بن سمعان قال: (لما كان في آخر الليل أمر الحسين بالاستقاء من الماء ثم أمَرَنا بالرحيل ففعلنا. قال فلما ارتحلنا من قصر بني مقاتل وسرنا ساعة خفق الحسين برأسه خفقة ثم انتبه وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين. قال: ففعل ذلك مرتين أو ثلاثاً قال: فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين على فرس له فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين، يا أبت، جُعلت فداك، مِمَّ حمدتَ الله واسترجعت؟ قال: يا بني، إنّي خفَقْتُ برأسي خَفْقة، فعنَّ لي فارس على فرس فقال: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم. فعلمت أنها أنفسنا نُعِيَت إلينا.
قال له: يا أبتِ لا أراك الله سوءً. ألسنا على الحق؟ قال: بلى والذي إليه مرجع العباد. قال: يا أبت، إذاً لا نبالي، نموت محقّين. فقال له: جزاك الله من ولد خيرَ ما جزى ولداً عن والده).
وهي الحقيقة التي تجلّت في موقف علي الأكبر يوم الطف، فكان أول شهيد من أهل بيت النبوة في ذلك اليوم، روى الطبري عن زهير بن عبد الرحمن بن زهير الخثعمي قال: (كان آخر مَن بقى مع الحسين مِن أصحابه
سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي. قال: وكان أول قتيل من بني أبي طالب يومئذ عليّ الأكبر ابن الحسين بن علي، وأمه ليلى ابنة أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي، وذلك أنه أخذ يشدّ على الناس وهو يقول:
أنا علي بن حسين بن علي
نحن ورب البيت أولى بالنبي
تالله لا يحكم فينا ابن الدعي
قال ففعل ذلك مراراً، فبصر به مرة بن منقذ بن النعمان العبدي ثم الليثي فقال: عليّ آثام العرب إن مرّ بي يفعل مثل ما كان يفعل إن لم أُثكله أباه. فمرّ يشدّ على الناس بسيفه، فاعترضه
مرة بن منقذ فطعنه فصُرع، واحتوله الناس فقطعوه بأسيافهم) ثم روى الطبري عن حُميد بن مسلم الأزدي قال: (سَماعُ أذني يومئذ من الحسين يقول: قَتل الله قوماً قتلوك يا بنى، ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك
حُرمة الرسول! على الدنيا بعدك العفاء).
وكان لهذا الحدث وقعٌ عظيم على العقيلة زينب التي خرجت مسرعة – بحسب وصف حُميد – وهي تنادي:
(يا أخياه ويا ابن أخاه. قال: فسألت عليها: فقيل هذه زينب ابنة فاطمة ابنة رسول الله (ص). فجاءت حتى أكبّت عليه، فجاءها الحسين فأخذ بيدها فردّها إلى الفسطاط وأقبل الحسين إلى
ابنه، وأقبل فتيانُه إليه، فقال: احملوا أخاكم. فحملوه مِن مصرعه حتى وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه).
سـل كـربلا كم مُهجَةٍ (لمحمدٍ)
نُـهبَت بها وكم استجذبَت من يدِ
ولَـكم دمٍ زاكٍ أُريـقَ بـها وكَم
جـثمانَ قُـدسٍ بـالسيوفِ مُبدّدِ
وبها على صبر الحسين ترقرقت
عـبراتُه حُـزناً لأكـرمِ سـيّدِ
وعـليٌّ قـدَرٌ من ذوابة هاشمٍ
عـبقت شـمائلُه بطيب المَحتد
أفـديه مِـن ريـحانةٍ رَيّـانةٍ
جـفّت بِحَـرِّ ظَماً وحَرِّ مُهند
مـاءُ الصِّبا ودمُ الوريدِ تجاريا
فـيه، ولاهـبُ قـلبِه لم يَخمُدِ
جَمْعُ الصفاتِ الغُرو هي تراثُه
مِـن كُلِّ غطريفٍ وشهْمٍ أصيد
في بأس حمزةَ في شجاعةِ حيدرٍ
بإبا الحسين وفي مهابةِ (أحمدِ)
وتـراه في خُلقٍ وطيبِ خلائقٍ
وبـليغِ نـطق كالنبي (محمدِ)
يرمي الكتائب والفلا غصّت بها
فـي مِـثلها مِن عزمه المتوقد
ويـؤبّ لـلتوديع وهو مجاهدٌ
لـِظَما الـفؤادِ وللحديدِ المُجهِد
ومـذ انـثنى يـلقَى الكريهةَ باسماً
والـموتُ مـنه بـمسمَعٍ وبـمَشهد
عـثُر الـزمانُ بـه فـغادر جسمَه
نـهبُ الـقواضبِ والـقنا المتقصِّد
ومحَى الرَّدى يا بئس ما غالَ الرَّدى
مـنه هِـلالَ دُجـاً وغُـرّةَ فـرقَد
يـا نـجعة الـحيين هـاشمَ والعُلى
وحِـمى الـذِّمارين الـعُلى والسودد
فـلتذهب الـدنيا عـلى الـدنيا العفا
مـا بـعد يـومِك مـن زمانٍ أو غدِ