خطبة الجمعة 10 ذوالقعدة 1443: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: الشذوذ ودعوى الحرية

- (وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ) [الأنبياء:74].
- في سنة 2007، قام بعض الشواذ والمنحرفين جنسياً وفكرياً وأخلاقياً في الكويت بتقديم طلب لوزارة الشئون الاجتماعية والعمل من أجل الحصول على تصريح إقامة جمعية خاص بهم، وتم رفض ذلك الطلب في حينه.
- وفي سنة 2018، ظهرت في الكويت حملة على وسائل التواصل الاجتماعي تطالب بإعطاء هذه الفئة المنحرفة (حريتهم والاعتراف بهم)... وتكرر الأمر في السنة التي تلتها.
- وبرز الدور السيء للأمم المتحدة في سنة 2015، حين دعت الحكومات في جميع دول العالم بتقنين أوضاع الشواذ، وتبنّى أمين عام الأمم المتحدة حملة للترويج لدعم الشواذ على مختلف أصنافهم.
- ومع دخول شهر يونيو الذي أُطلق عليه عنوان (شهر فخر المثليين)، عادت القضية إلى الواجهة محلياً لاسيما مع التغريدة الداعمة والصادرة عن مسئول في السفارة الأمريكية في الكويت، وما استتبع ذلك من ردود فعل مختلفة تأييداً ورفضاً، وهو ما يستدعي التنبيه إلى أمور:
1. يتم التركيز في الترويج للشذوذ وما يطلَق عليه عنوان (حقوق المثليين/مجتمع الميم) وبشكل كبير على مسألة الحرية الشخصية، وهذا يستدعي أن نمتلك وضوحاً مفاهيمياً إزاءها.
- وقد أكدت مراراً وتكراراً أن مفهوم الحرية في الإسلام لا يتمثّل في أن (حرية الفرد تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين)، أي أنت حر ما دمت لم تسيء إلى الآخرين، بل إن هذا يمثّل جزءً من مفهوم الحرية، والجزء الآخر هو أن حرية الفرد مقيدة بالتشريعات الإلهية، وبالقوانين القائمة في المجتمع.
- فجسدك ملكك، ولكنه قبل ذلك ملكٌ لخالقه، ولذا ليس لك الحق في أن تلحق الضرر به، كأن تقطع يدك بلا سبب، وإن كان ذلك لم يلحق الضرر مباشرة بالآخرين، لأن من أعطاك جسدك،
وأعطاك الحياة، لم يخوّلك لفعل ذلك.
- وهكذا يجب الالتزام بالقوانين القائمة في المجتمع وإن لم تلحق الضرر بأحد عند مخالفتها، ولذا تتم مخالفتك لو خرجت على الإشارة المرورية وهي حمراء حتى لو كان الشارع خالياً من المركبات.
2. ما أكثر المتشدّقين بالحرية الشخصية، في حين أنهم انتقائيون في ذلك إلى حد يصل إلى النفاق، بل وممارسة الإرهاب والاضطهاد بحقِّ من يتمسّك بحريّته الشخصية في ما لو كانت ممارسته لها تتعارض ومتبنّياتهم.
- عندما رفض -قبل أيام- لاعب كرة القدم لفريق فرنسي ارتداء قميص يحمل ألوان علم الشواذ، وامتنع عن خوض المباراة بسبب ذلك، وهو في موقفه هذا يستند إلى حريته الشخصية في أفكاره ومتبنياته ومواقفه، فإنه ووجه بالاستدعاء من قبل (مجلس الأخلاقيات في الإتحاد الفرنسي لكرة القدم) وطولب بإنكار موقفه، وأن يدعّم إنكاره بصورة له وهو يرتدي ذلك القميص، وإلا عرّض نفسه
لإجراءات تأديبية! كما هوجم إعلامياً، واتُّهم بارتكاب جريمة، وضرورة معاقبته وطرده من النادي!
- وهكذا عندما تمارِس المرأة المسلمة في فرنسا حريتَها الشخصية بارتداء اللباس الشرعي (الحجاب)، تُهاجَم وتَصدُر القوانين المختلفة التي تمنع موظفات الخدمة العامة من ارتداء هذا النوع من الزي، ومن المشاركة في بعض الأنشطة العامة.
- المسألة بالنسبة لبعض الغربيين ليست مسألة الحرية، بل إن الحرية هي رأس الحربة التي من خلالها يحاولون النفوذ إلى حيث يشاءون لتغيير ما يشاءون... ولذا نجدهم لا يتحرّجون من دعم أنظمة قمعية ما دامت تحقّق لهم مصالحَهم، وأما الحرية وحقوق الإنسان فيها فآخر اهتماماتهم.
3. الأسخف من التمسّك بدعوى الحرية الشخصية ما أشار إليه بعض الحمقى من أن هذه الممارسة المنحرفة ليست بجديدة على المجتمع الكويتي، وأنها كانت موجودة على الدوام، فلماذا لا يتم الاعتراف بها الآن وتشرعن؟
- سبحان الله، إذا كانت الانحرافات والجرائم والفواحش موجودة في المجتمع منذ القدم، فهل هذا يستدعي شرعنتها؟ أي منطق هذا؟
- وحسناً فعلت الحكومة باستدعاء القائم بالأعمال في السفارة الأمريكية احتجاجاً على تلك التغريدة المعيبة، وأمام الحكومة تحدّي آخر ويتمثّل في نية البعض تقديم طلب لإصدار ترخيص لجمعية خاصة بالشّواذ، وبالاستناد هذه المرة -بحسب تعبيرهم- إلى منطلقات قانونية عالمية، ولذا قد تُمارَس بعض الضغوطات الخارجية ونتوسّم خيراً في الموقف الرسمي بمواجهة هذا التحدّي وعدم الرضوخ.
- إنّ لكلّ مجتمعٍ قِيَمَه وثقافتَه ودينَه الرسمي.. فلماذا تسعى بعض الدول الغربية والمنظّمات الدولية أنْ تسلُبَ مجتمعاتِنا حريةَ ما اختارته، وتدفعَنا لقبولِ ما اختارتْه هي، وتَسعى لفرضِ ثقافتِها، ونمطِ حياتها الاجتماعية، وتحتال لذلك بكلِّ حيلة؟ لماذا تصادِر بعضُ هذه المجتمعات الغربية حقَّ المرأة المسلمة في ممارسة دورِها في الحياة وهي ترتدي الزي الشرعي الذي اختارته بكل حرية، وتعمل على معاقبة رياضي لأنه اختار الامتناع عن الترويج للشذوذ انتصاراً لحريته في العقيدة، بينما تدفع بقوة نحو فرض أجندات القوى الخفية التي تقف وراءَ تدميرِ أساسِ البناءِ الاجتماعي، وهو الأسرة، مِن خلالِ التشجيعِ على العلاقاتِ الشاذّةِ والمنافيةِ للفطرةِ الإنسانية؟ وعلى الأذنابِ المحليّين والمخدوعين واللاهثين وراء الفواحش أنْ يُدركوا أنّ في هذا الوطن رجالاً ونساءً لنْ يسمحوا بتمرير مشاريعِهم الهدامة، وإنْ عزَّ الثمن.