خطبة الجمعة 5 شوال 1443: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: حق اللسان / القسم الأول


- جاء في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (ع): (وَأَمّا حَقّ اللّسَانِ فَإِكْرَامُهُ عَنِ الْخَنَا، وَتَعْوِيدُهُ عَلَى الْخَيْرِ، وَحَمْلُهُ عَلَى الْأَدَبِ....) إلخ كلامه (ع) في هذا الباب.
- منّ الله سبحانه على الإنسان بهذه الجارحة المهمة وهو القائل: (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ، وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ، وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) [البلد:8-10].
- وحيث أن لهذه الجارحة القابلية أن توظَّف في غير محلها، سواء أ كان في المعصية، أو في ما لا يليق بالإنسان، لذا كان من الضروري أن تخضع للضبط والربط.
- بل إن الإنسان الذي يملك قليلاً من الحكمة يدرك أن للسان قابلية أن يكون له دور في الكشف عن ذات صاحبه، وبتعبير الإمام علي (ع): (تَكَلَّمُوا تُعْرَفُوا، فَإِنَّ اَلْمَرْءَ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ)، ولذا فإنّ من المنطقي أن يمارس عليه الضبط والربط وإن لم يكن باللحاظ الديني والأخلاقي.
- والإمام السجاد (ع) في المقطع السابق يقدّم لنا مجموعة من الآداب المتعلقة بهذه الجارحة بغرض تهذيب أدائها، وجعلها تمارس وظيفتها في الحياة بأقل الخسائر والأخطاء.
- أوّل هذه الآداب ما جاء في قوله (ع): (وَأَمّا حَقّ اللّسَانِ فَإِكْرَامُهُ عَنِ الْخَنَا)، وقد جاء في المعاجم اللغوية أن الخَنا من الكلام أَفْحَشُه، أو مطلق الكلام الفاحش، أو القبيح من الكلام.
- ويمكن تصوّر هذا على نحو السباب، كما يمكن تصوّره على نحو الوصف في الكلام، كأن يصف شخصاً أو فعلاً ما، أو على نحو الحديث عن أمور قبيحة بمسمياتها المباشرة ودون كناية.
- بل أحياناً قد تكون هناك عناوين ثانوية تستوجب حفظ اللسان عن استعمال بعض الكلمات أو الامتناع عن الحديث عن بعض الأمور، أو ذِكرها بالكناية، مراعاةً لحرمة المكان -كالمسجد- أو لطبيعة المستمعين كالوالدين والأطفال.
- وقد التزم القرآن الكريم بذلك في بيانه، ولذا استعمل الكناية أحياناً، وقد ذكر أهل البلاغة أن استعمال الكناية قد يأتي للتغطية والستر، أو للامتناع عن اللفظ القبيح، أو للتفخيم.
- ونجد مثال ذلك في قوله تعالى: (مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ) [المائدة75]، وهو تعبير مؤدب يتضمّن الكناية عمّا يستتبع تناول الطعام من قضاء الحاجة، فكأن الآية تقول: هل يتناسب ذلك وادّعاء الألوهية؟
- وهكذا في قوله تعالى: (أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء) [المائدة:6]، أو قوله: (الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) [البقرة:187]، كل ذلك كناية عن العلاقة الخاصة بين الرجل والمرأة.
- والخلاصة كما روي عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: (إنَّ هذا اللسان مفتاح كل خير وشر، فينبغي للمؤمن أن يختم على لسانه كما يختم على ذهبه وفضته).