بأي حال استقبلنا أعيادنا؟ ـ مقال للشيخ علي حسن

قال سبحانه وتعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) إبراهيم:5. كل الأيام لله سبحانه، ولكن لا شك أن المراد هنا أيام خاصة، ونسبة أيام خاصة إلى الله سبحانه مع كون جميع الأيام وكل الأشياء له تعالى ليست إلا لظهور أمره تعالى فيها لما فيها من آيات وحدانيته وسلطنته وقهره وغلبته، كما في يوم القيامة والأيام التى أهلك الله فيها قوم عاد وثمود، أو لظهور نعمه العظمى فيها بجلاء كيوم إنجاء إبراهيم عليه السلام من النار والانتصار في معركة بدر وفتح مكة. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: (وذكرهم بأيام الله) قال: (بنعم الله وآلائه).
الاحتفال بأعيادنا الوطنية:
ولاشك أن نعمة الخلاص من سيطرة المستكبرين والمستعمرين والظالمين والغزاة من النعم التي تستحق أن تُحيى بالصورة الصحيحة وأن يذكَّر بها متى ما أقبلت، لأن فيها شكر الله سبحانه وأخْذ للعبرة.. فبأي حال استقبلنا أعيادنا الوطنية؟ فبعد الخطابات الرسمية والأبوية الصادرة من أعلى السلطات في البلد والشخصيات المحبة لهذا الوطن والحريصة على مصلحته، وبعد الجهود الذي بُذلت فوق الطاولة وتحت الطاولة لإخماد الحراك الطائفي الذي شهدته الكويت خلال الأشهر الماضية، والذي لا أشك أن وراءه أيادي داخلية وخارجية لا تريد الخير لهذا الوطن ولا لسائر بلاد المسلمين، نجد أن رأس الفتنة ينجم من جديد ويطل بوجهه القبيح.
بيان مستهجن:
فقد جاءت إثارة مركز (وذكّر) قبل أيام لتعيدنا إلى المربع الأول، وليبدأ التراشق من جديد بتهم الطائفية والكفر والتهديد والاحتكام إلى الشارع إلخ القائمة المكرورة. فبيان (وذكّر) فيه من التهم السخيفة والمطالبات الأسخف ما يستغرب منه أصحاب العقول، لاسيما في مثل هذا التوقيت الذي شهد هدوءً ملحوظاً استجابة لتوجيهات سمو أمير البلاد ولتحركات أصحاب العقول والغيرة على الوطن، وفي أجواء الاحتفال بالأعياد الوطنية التي يراد لها أن تتم تحت مظلة الوحدة الوطنية. والأغرب من ذلك أن يأتي "أصحاب الفكر" لينظّروا لهكذا بيان ويجعلوه في خانة الحرص على الوطن والخوف على مستقبله!!
مطالبات غريبة:
ففي تلك الإثارة مطالبة بتقديم (من يعلنون محبة آل البيت الأطهار) بيان مكتوب يُتبرأ فيه من عدة أمور كي يتم استقبالهم بالأحضان والقبلات ليدخلوا بعدها إلى جنة طالبان! فمن قال أننا قد استجدينا اعترافاً بإسلامنا كي يُعرض علينا هكذا عرض "سخي"؟ ثم تساق التهم التي عفا عليها الزمن، في الوقت الذي لم يعد فيه إمكان إخفاء أي شئ في عالمنا المتطور اليوم تكنولوجياً ومعلوماتياً. فمقولة (خان الأمين) و(تحريف القرآن ووجود قرآن آخر) المدعاة على "محبي آل البيت الأطهار" لا يقبلها أي عاقل ولا يمكن أن يصدقها أحد، وكتبهم وافرة ومساجدهم ومراكزهم التعليمية مفتوحة في كل بلاد العالم.
الموقف من الصحابة:
وأما قضية تكفير الصحابة وسبهم ولعنهم، فقد عولجت بوضوح من قبل العلماء، وأوضحوا أن بين دراسة التاريخ
وتحليله وبين السب والتكفير فرق كبير، ولا يحق لأحد تجيير دراسة التاريخ وعرضه لفئة دون أخرى، وأكدوا على رفضهم سب الصحابة ولعنهم، لمنافاة ذلك مع تعاليم القرآن وسنة النبي ووصايا الإمام علي وآله. وإن كان في البين بعض الغافلين أو أصحاب الأجندات الخاصة ممن يخالفون ذلك، فلا يصح أن يعتبرهم أحد ممثّلين للتشيع والناطقين باسمه، كيف وإمامهم قد نهاهم عن ذلك صراحة، بل وكان هو بنفسه عليه السلام ضحية سياسة أول من سب الصحابة والخلفاء ولعنهم على المنابر وفي أدعية الصلوات؟! إن سب الصحابة الذين وصفهم أمير المؤمنين علي عليه السلام قائلاً: (أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه وقرأوا القرآن فأحكموه، وهُيـِّجوا إلى القتال فَوَلِهُوا وَلَهَ اللقاح إلى أولادها، وسلبوا السيوف أغمادها وأخذوا بأطراف الأرض زحفاً زحفاً وصفاً صفاً؟) إن سبّهم أمرٌ منكرٌ بنص القرآن وسنة النبي ووصية علي القائل: (إني أكره لكم أن تكونوا سبابين)، والسكوت على المنكر منكر.
الاصطفاف الطائفي:
وليعلم كل من يصطف طائفياً مع خط ومنهج أصحاب الإثارات التي تخرّب البلد وتزعزع أركان الأخوة الإسلامية أياً كان انتماؤهم المذهبي، من مسؤولين وكتل سياسية وبرلمانيين ومشايخ وأصحاب النفوذ والرساميل: تذكروا أيام الله التي تجلت فيها نعمه، و تذكروا أيام الله التي عمّت فيها الفتنة ونزلت فيها النقمة، وارحموا أنفسكم إن لم ترحموا الآخرين، فالبلد الضعيف يُغري أعداءه على الدوام بالسيطرة عليه أو التدخل في أموره أو نهب ثرواته، وحينها سيفقد الجميع تلك النعم.