البرنامج الأمثل لإدارة الدولة وقيادة المجتمع (19)ـ مقال السيد حسين بركة الشامي

((وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لاَ يَصْلُحُ بَعْضُهَا إلاَّ بِبَعْض، وَلاَ غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْض: فَمِنْهَا جُنُودُ اللهِ، ومِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَمِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ، وَمِنهَا عُمَّالُ الاِْنْصَافِ وَالرِّفْقِ، وَمِنْهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ وَالْخَراجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُسْلِمَةِ النَّاسِ، وَمِنْهَا التُّجَّارُ وَأَهْلُ الصِّنَاعَاتِ، وَمِنهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ، وَكُلٌّ قَدْ سَمَّى اللهُ سَهْمَهُ، وَوَضَعَ عَلَى حَدِّهِ وَفَرِيضَتِهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وآله عَهْداً مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظاً)).
يشير الإمام علي عليه السلام في هذا المقطع من عهده الشريف إلى حقيقة ثابتة قام عليها علم الاجتماع وأكدتها الشرائع السماوية، وهي أن الإنسان اجتماعي بالفطرة ومدني بطبعه، أي أن الإنسان يألف أبناء جنسه ويسكن إليهم ولا يستغني عنهم في حياته الخاصة والعامة بحال. وحيث أن المجتمع أصناف وطبقات شتى تتعارض مصالحها وتتزاحم طموحاتها وتختلف أهوائهم وأمزجتهم، فلا بد لهم من نظام عادل يستوعبهم ويحكم حركتهم وينظم شؤونهم وغاياتهم، وأن أي فراغ أو خلل في هذا النظام العام لا شك يؤدي إلى فوضى عارمة، وصراعات مدمرة وخراب شامل، ومن هنا أكد الفقهاء على وجوب حفظ النظام العام اعتماداً على العقل والشرع معاً.
ومن الجدير بالذكر أن مفهوم الطبقة والطبقات في الثقافة السياسية المعاصرة مصطلح خاص تبنّته المدرسة الماركسية والأحزاب الاشتراكية، وتعني به فلسفتها أن المجتمع مقسم إلى شرائح وقطاعات (طبقات) تعيش صراعاً طبقياً محتوماً ومحتدماً يحركه العامل الاقتصادي فحسب، لينتهي في آخر المطاف إلى مصالح الطبقات العاملة، وهذه النظرية المادية أخفقت في تفسيرها لحركة التاريخ والمجتمع، ولم تعد اليوم ذات قيمة فلسفية وفكرية وسياسية في الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي.
ولا شك أن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وهو تلميذ القرآن وربيب رسول الله صلى الله علية وآله وسلم لم يقصد في كلامه عن الطبقات الاجتماعية هذا المعنى الضيق كما في المصطلح الماركسي ـ آنف الذكر ـ إنما يعني بالطبقات الفئة الاجتماعية والتصنيف الطبيعي في حياة الناس. (يتبع)