في رحاب ثامن الحجج الإمام الرضا

لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم دور ومسئولية رسالية وحضارية في تاريخ الأمة خطط له رسول الله بأمر من الله سبحانه وتعالى. هذه العناية الإلهية والنبوية تدلل على مكانة أهل البيت عليهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، فقد ورد في الطبري عن أنس بن مالك عن رسول الله أنه قال لعلي حين زوّجه فاطمة عليها السلام: (جمع الله شملكما، وأسعد جدكما، وبارك عليكما، وأخرج منكما كثيراً طيباً) وفي مورد آخر (اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم).
الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام سليل النبوة ووارث أهل البيت وثامن الحجج الطاهرين الذين أوجب الله تعالى مودتهم في كتابه الكريم (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ). جسد الإمام عليه السلام مبادئ الرسالة حياة وعملاً، فكان سلوكه قدوة، وحياته مناراً للمهتدين، ودليلاً للسائرين في طريق التقوى والعبادة، ومثلاً أعلى في الأخلاق والسلوك المستقيم.
الإمام الرضا في أخلاقه العملية وسلوكه الخلقي الرفيع يصور لنا جانباً من عظمة أهل البيت عليهم السلام، ومثلاً أعلى في الصدق والصبر والتواضع والحلم والعفو عن المسيئ، فقيل فيه: (ما رأيت أبا الحسن جفا أحداً بكلمة قط، ولا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه، وما ردّ أحداً عن حاجة يقدر عليها، ولا مدّ رجله بين يدي جليس له قط، ولا اتّكى بين يدي جليس له قط، ولا رأيته شتم أحداً من مواليه ومماليكه قط، ولا رأيته تفل قط، ولا رأيته يقهقه في ضحكة قط، بل كان ضحكه التبسم).
وقد خاطب الإمام الرضا عليه السلام تلميذه السيد عبدالعظيم الحسني موصياً: (يا عبد العظيم، أبلِغ عني أوليائي السلام وقل لهم ألا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلاً، وأمرْهم بالصدق في الحديث، وأمرهم بالسكوت وترك الجدال في ما لا يعنيهم، وإقبال بعضهم على بعض، والمزاورة، فإن ذلك قربة إليّ، ولا يشغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضاً، فإني آليت على نفسي أنه من فعل ذلك وأسخط ولياً من أوليائي دعوت الله ليعذبه في الدنيا أشد العذاب، وكان من الخاسرين. وعرِّفهم أن الله قد غفر لمحسنهم وتجاوز عن مسيئهم إلا من أشرك به أو آذى ولياً من أوليائي أو أضمر له سوءً، فإن الله لا يغفر له حتى يرجع عنه، فإن رجع عنه تاب الله عليه وإلا نزع روح الإيمان من قلبه وخرج من ولايتي ولم يكن له نصيب في ولايتنا وأعوذ بالله من ذلك).