شدّة وتزول.. من يقول؟!

عندما أصاب العطش بني إسرائيل وهم في تيه الصحراء استسقى موسى عليه السلام لقومه، فجاءه الرد الإلهي الإيجابي، على الرغم من تمرد قومه على الله ورسوله، واستخفافهم بأوامر الله ونواهيه، وتقلباتهم المزاجية. على كل حال جاء الرد (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ) البقرة:59، ولم تتوقف المسألة عند هذا الحد، بل إن الله سبحانه وتعالى برحمته الواسعة ورأفةً بهؤلاء القوم جعل الماء ينبع ـ بصورة إعجازية ـ فينقسم إلى تفرعات بعدد القبائل الإثني عشر التي كان ينتمي إليها بنو إسرائيل (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً)!! وما ذاك إلا تجنيباً لهم من الوقوع في صراع داخلي يحوّل مجرى الماء إلى أنهر من دماء، في وقت أراد لهم الله فيه أن يوحِّدوا كلمتهم، ويرصّوا صفوفهم، ليواجهوا أعداءهم بقوة، ويخلّصوا أنفسهم من تبعات الاستعباد ونير الظالمين.
رحمة بأنفسكم:
وهكذا راعى الله سبحانه واقع حال بني إسرائيل المنقسمين على أنفسهم (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ) ولم يكن الثمن في مقابل هذا العطاء الإلهي إلا أن يرحم القوم أنفسهم، فلا يفسدوا بل يكونوا مصلحين (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) لأن الفساد لن يضر الله شيئاً، ولن تعود تبعاته إلا على أبناء المجتمع ذاته.
أزمة وتشرذم:
وإذا كانت الأزمات وأيام المحنة تجمع وتؤلّف وترصّ الصفوف، وتدفع لنسيان كل عوامل الفرقة والخلاف، واستحضار كل عوامل القوة والوحدة، فإن هذه الصورة القرآنية تؤكد على أن التفكك والتشرذم والنزاع بين مكونات المجتمع الواحد قد تصل إلى الحد الذي لا تؤثر فيه تلك الظروف العصيبة، فيبقى متشرذماً، بل وتكون الأزمات عاملاً مساعداً لنشوب صراعات داخلية أشد وطأة، على الرغم من أن الجميع يواجهون ذات التحدي وينتظرهم ذات المصير،
وأي خرق في السفينة سيغرق الجميع.
بين الأمس واليوم:
وبحمدالله لم تكن هذه الصورة المأساوية حاضرة إبان أكبر أزمة عاشتها الكويت والمتمثلة في الغزو الصدامي لديرتنا الحبيبة، فالتلاحم ونسيان الخلافات وذوبان العناوين الطائفية والقبلية والعائلية والمناطقية كانت السمة الغالبة لأهلها.. ولكن مع الوضع الحالي، يصعب تخمين الصورة في ما لو دخلت البلد ـ لا قدّر الله ـ في أية زمة عنيفة على المستوى الأمني أو الاقتصادي أو السياسي أو غير ذلك.. ومن يقول ـ بجزم ـ أننا سنكون أحسن حالاً من حال بني إسرائيل في تلك الصورة القرآنية؟!
الشهادة المدرسية:
قبل أيام استلمت شهادة نهاية الفصل الدراسي لأحد أبنائي، وهو في المرحلة المتوسطة، وبمعيتها صفحتان تتضمنان الدعوة إلى الوحدة الوطنية ورص الصفوف ونبذ الخلافات. وإذ أنتهز هذه الفرصة لأتقدم بالشكر إلى صاحب الفكرة، سواء أكانت الوزارة أم المدرسة، فإنني في ذات الوقت أتساءل إلى أي مدى سئ وصلت الأمور في مجتمعنا بحيث أصبحت الشهادة مرفقة مع تعليمات الوحدة وطنية بدلاً من تعليمات لها علاقة بعدد الدفاتر المطلوبة وألوان اللباس الرياضي وما إلى ذلك؟!
دعوة من القلب:
دعوة إلى كل عقلاء البلد، وإلى كل مَن قلبه على هذا الوطن: كفانا أنانية وحزبية وطائفية، ولننظر إلى حال السفينة التي إن أصابها مكروه ـ لا قدر الله ـ فلن تستثني الكارثة أحداً ولا فئة ولا جماعة.. وكفانا تنظير، فالمهم أن تترجم الرغبات والأقوال إلى أفعال على الأرض ترسّخ حقيقة أن (كلنا للكويت).
(اللوحة تمثل النبي موسى عليه السلام مع قومه قبيل عبور البحر).