خطبة الجمعة 28 رمضان 1443: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: كي لا ننسى


- قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ) [المائدة:51-52].
- لاشك أنّ من القضايا المهمة والحساسة جداً، والتي تمثّل تحدّياً كبيراً في السنوات الأخيرة ملف التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني الغاصب.
- في القمة العربية التي عقدت في الخرطوم سنة 1967 تلخّص الموقف العربي تجاه الكيان الصهيوني بلاءات ثلاث: (لا صلح – لا سلام – لا اعتراف بإسرائيل).
- إلا أنه وفي غضون عشر سنوات، وقع أوّل اختراق رسمي لهذا الموقف الموحّد حين زار الرئيس المصري الأسبق أنور السادات تل أبيب، وألقى خطاباً في الكنيست الإسرائيلي.
- من بعد ذلك، انطلقت عجلة التطبيع بين بعض الدول العربية والكياني الصهيوني تدريجياً وبشكل متقطع، وشهدنا خلال سنوات حكم الرئيس الأمريكي ترامب حراكاً محموماً في هذا الاتجاه.
- وقد اطّلعت مؤخراً على إصدار يحمل عنوان (مشروعُ التطبيع وآفاقُه المستقبلية، رؤية من داخل كيان إسرائيل) لمجموعة من الكتّاب والباحثين الإسرائيليين، ولهذا الإصدر جانب من الأهمية بلحاظ أنه يعكس ملامح التفكير في الداخل الإسرائيلي حول قضية التطبيع ومساراته ومستجداته وسبل تحقيقه.
- مما لفت نظري في هذه المقالات الرهان على البُعد الزمني الفاصل بين الجيل الشاب وبين عصر الأحداث المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي، مما يؤدي إلى ضعف تفاعلهم معها، بالإضافة إلى عدم اطلاعهم على تفاصيلها، وهذا يساعد الإعلام المطبِّع، والإعلام الصهيوني على توظيف هذا الجهل في اتجاه إعادة تقديم المعلومة بالصورة التي تخدم التطبيع.
- مثلاً، يذكر الباحث الإسرائيلي (براندون فريدمان) وهو يتحدث عن مدى إمكانية التطبيع مع إحدى الدول العربية أنّ مما يساعد على تحقيق ذلك أنّ ثلثي مواطني هذه الدولة دون الخامسة والثلاثين، و٣٠٪؜ منهم دون الخامسة عشرة، وهؤلاء ليست لديهم ذاكرة حية عن التطورات الأساسية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
- وهكذا كتب الباحث الإسرائيلي (ميخائيل باراك) قائلاً: (من العوامل الأخرى التي ذُكرت في تسريع التقارب بين إسرائيل والدول العربية... نمو جيل جديد لم يشهد صراعات الماضي).
- الأمر الآخر الذي لفت نظري أيضاً في هذه المقالات، الحديث عن الموقف الكويتي من مسألة التطبيع، إذ يذكر (أوزي رابي) أن الكويت بقيت متمسّكة بموقفها التقليدي الرافض للتطبيع مع إسرائيل، وأنه على الرغم من موقف حركة فتح من الغزو الصدامي للكويت إلا أنّ الأسرة الحاكمة ومجلس الأمة ومنظمات المجتمع المدني لم تتردد في الاستمرار في دعم القضية الفلسطينية.
- وأشار الكاتب أيضاً إلى الموقف الموحّد الذي صدر عن ٤١ جماعة ومنظمة كويتية برفض التطبيع، والدعوة للإسراع بإصدار قانون يجرّم التطبيع مع العدو الصهيوني.
- هذه المعطيات تعني أن الكويت قد تصبح مستهدفة إعلامياً من قبل الآلة الإعلامية الصهيونية من خلال شريحة الشباب باعتبارهم الخاصرة الرخوة التي من خلالها يمكن إعادة تشكيل الوعي الشعبي تجاه الموقف من التطبيع خلال السنوات القادمة، وهو ما يؤكد على أهمية النشاط الإعلامي المضاد، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، ولو بجهود شخصية بسيطة، لاسيما في المناسبات الخاصة من قبيل هذا اليوم، يوم القدس العالمي، والهدف هو إبقاء ذكرى الجرائم الصهيونية على مستوى اغتصاب الأرض، والحق الأصيل للشعب الفلسطيني فيها، والجرائم الإنسانية والمجازر العديدة التي ارتكبها الصهاينة على يد عصاباتهم كالهاجانا وعلى يد الجيش الإسرائيلي، من قبيل مجزرة دير ياسين، وصبرا وشاتيلا، وقانا، وسياسات الفصل العنصري، وحصار غزة، وجرائم التعذيب الوحشية في المعتقلات، والاستمرار في بناء المستوطنات بما يخالف كلَّ الأعراف والقوانين الدولية، وأن يتم توجيه ذلك كلِّه لجيل الشباب وبالأسلوب المناسب، لأنّ رهان الصهاينة اليوم يقوم في جانب منه على الجيل الجديد الذي لم يشهد صراعات الماضي ولا يحمل في ذهنه صورة سليمة عن طبيعة العدوان الصهيوني، هذا إنْ لم يكن قد تشبّع أصلاً بالمفاهيم والصور التاريخية المغلوطة نتيجة جهود أبواق المطبّعين خلال السنوات الماضية.