خطبة الجمعة 20 ذوالحجة 1442: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: الاختيار الصعب


- ذكرت في الخطبة الأولى أن من العناوين الاجتماعية التي ورد التأكيد عليها في النصوص الإسلامية عنوان (قضاء حوائج الناس)، وذكرت الملاحظة الأولى حول هذا العنوان.
- الملاحظة الثانية: قد يقع التعارض بين قضاء حوائج الناس وبين مسألة أخرى، فأيهما نقدِّم؟
- مثال ذلك: مسئول في إدارة أو نائب في البرلمان، يُلجأ إليه لتخليص معاملات معينة قد تكلّفه التنازل عن مواقفه في مكافحة الفساد الإداري والمالي، فأيّهما يُرجّح؟ وأيهما يُقدِّم؟
- ولو اعتذر عن قضاء هذه الحاجة، لا تكاسلاً ولا تهرّباً، بل لأنه يجد أن سعيه لدى الآخرين لقضائها سيجعله في موقع المضطر لتقديم خدمات مقابلة قد تكون غير قانونية وترسِّخ الفساد، أو أن سعيه لقضائها سيجعله غير قادر - لاحقاً - على محاسبة المسئولين عن الفساد، لأن لكل شئ ثمناً... فهل يُعدُّ تصرّفه سليماً؟ وكيف يكون تقييمنا له؟ وهل نعتبره مسئولاً -أو نائباً- غير كفوء؟
- للأسف، في أحيان كثيرة يكون تقييمنا مبنياً على مدى تحقق مصالحنا الشخصية، لا من خلال الأداء العام للشخص ولا من خلال مدى تحقيقه المصلحة العامة، والبعض يبرّرون ذلك بأن الوضع كله (فاسد)، فلماذا يكون معياري في التقييم مختلفاً عن الآخرين؟
- لو كانت الحاجة محقّة وصاحبها مظلوماً، فإنّ من مسئولية هذا الإداري أو النائب أن يسعى في قضائها ورفع هذه الظلامة، وتخلّيه عن ذلك -مع قدرته- يُعد تقاعساً منه في أداء وظيفته، وفي أداء مسئوليته الأخلاقية، ويمكن تقييمه - على أساس ذلك – سلباً.
- وأما إذا كان صاحب الحاجة يطلب ما هو غير قانوني، أو مسألة كمالية غير ضرورية، كالنقل من موقع وظيفي إلى آخر، فليس له الحق في تقييم أداء المسئول أو النائب على أساس ذلك.
- بالطبع هنا نقطة مهمة يجب أن نذكرها وهي: لماذا يحتاج المواطن أصلاً إلى من يقضي حاجاته الإدارية ومعاملاته في دولة القانون والمؤسسات؟ أليس من المفترض أن تتم الأمور بشكل قانوني وسلس وعلى الجميع وبمسطرة واحدة؟ وأن الخلل يعالَج بطرقه القانونية من خلال المحاكم الإدارية وغيرها؟ وأن تكون لديه الثقة بنزاهة وحيادية القضاء؟
- للأسف هناك أفراد، وأيضاً جهات، تريد ترسيخ الطرق الملتوية في هذا الإطار، لأنّ هذا يصب في مصلحتها الشخصية على طريقة (حك لي ظهري أحك لك ظهرك)، أو يتوافق مع سياساتها العامة لتحييد الدور الرقابي عليها.
- إن الله عزوجل يقول: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الرعد:11]، وهذا يعني أنه لا يمكن إصلاح الشأن العام ومحاربة الفساد قبل أن نُصلح أنفسنا، على مستوى المفاهيم، وعلى المستوى العملي، ومن بين المفاهيم التي تحتاج إلى تصحيح هو التأكيد على مبدأ الكفاءة في تقييم مَن يشغل المنصب القيادي أو يمثّل الأمة نيابياً، وفي مدى إخلاصه في أداء مهامه، وعدم السعي لتوظيف الموقع المتقدم للتنفّع الشخصي، سواء المباشر منه أو غير المباشر. ومثل هذا النموذج الكفوء والمخلص والمتفاني في مسئوليته يحتاج إلى الدعم والمساندة، كما يحتاج إلى المراقبة والتقييم الدائمَين لضمان عدم الانجراف في خطأ قد يَصعُب عليه تداركه، ولنتذكّر أن الإصلاح – دائماً - يتطلّب التضحية، وهو ما تعلّمناه في مدرسة الحسين (ع) وهو القائل: (إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي).