نقـد (الشيعــة والعصمـــة) ـ 2 - مقال للشيخ علي حسن غلوم

أستكمل نقد بعض ما جاء في مقال الأستاذ فاخر السلطان المنشور بعنوان (الشيعة والعصمة).

ماذا وراء هذا الطرح:

لو جمعنا مفردات ما جاء في هذا المقال بالإضافة إلى مقالات سابقة للأستاذ فاخر فإننا سنكوّن تصوّراً فرضياً عاماً حول النتائج التي يريد الكاتب التوصل إليها، ويمكن تلخيصها كما يلي:

-1 عقلية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا تتجاوز في تفوقها إلا العقلية العربية في زمانه وبيئته.. (ولذا مع التطور الحاصل في المجالات المعرفية المتعددة لا تبقى للسنة النبوية حجة ذات أهمية في حياة المسلم المعاصر).

-2 القول بالعصمة يساهم بقوة في وأد ثقافة النقد، إذ لا يمكن الجمع بين صاحب السلوك وصفاته فوق البشرية وبين نقده.. (ولابد من تغيير هذه النظرة حتى يمكن للباحثين النقد بكل أريحية!).

-3 عادة ما تكون منابع المعرفة ومفاهيمها عرضة للسؤال والنقد، ومهيأة للمراجعة وإعادة النظر باستمرار، وذلك إما لتعديلها وتحديثها، أو استبدالها بأخرى جديدة. (وبالطبع فإن منابع المعرفة الأساسية في الإسلام القرآن والسنة).

-4 الخطاب الديني التاريخي يعتقد بأن الإسلام هو "دين ودنيا" وصالح بذاتياته وعرضياته ـ وليس فقط بذاتياته ـ لكل زمان ومكان، ويعتقد بأن كل ما جاء في القرآن لابد من تطبيقه في الماضي والحاضر والمستقبل. (والكاتب ـ بالطبع ـ يختلف تماماً مع هذه الرؤية).



سروش والقرآن:



وأعتقد أنه إذا أردنا أن نوضّح الصورة أكثر، فلابد من العودة إلى أفكار ورؤى المفكر الإيراني الأستاذ عبدالكريم سروش، حيث ان تأثر الأستاذ فاخر السلطان به ـ لمن لديه اطّلاع ولو بسيطاً على أطروحات سروش ـ يعد أمراً واضحاً وينعكس بجلاء في مقالاته، بل طالما بنى الأستاذ فاخر أطروحاته على أساس كتابات الأستاذ سروش الأكثر صراحة في التعبير عن رؤاه الفلسفية.

ففي مقابلة أجريت مع سروش في هولندا تحدث عن كون (الذي تلقاه النبي من الله هو مضمون القرآن فقط دون صياغة.. النبي هو الذي قام بصياغة القرآن في عبارات باللغة العربية، وفي "عملية الترجمة" هذه تدخلت عوامل كثيرة لها علاقة بالجانب البشري في شخصية النبي: النقص في المعارف العلمية في ذلك العصر، إضافة إلى شخصية النبي نفسه، وتجاربه في شبابه، وميوله الشخصية، وحتى التحولات في المزاج. القرآن معصوم من الخطأ في مضمونه الديني فقط، وليس في صياغته التاريخية. إذا أراد المسلمون أن يتخذوا من القرآن هادياً لهم في العصر الحاضر، فعليهم أن يتبعوا روح القرآن وليس نصه الحرفي. السعي إلى التطبيق الحرفي للتعاليم القرآنية أدى إلى نتائج عبثية ومؤسفة).



استخلاص:



وهكذا يمكن القول أن رؤى الأستاذ فاخر السلطان ستقود بالنتيجة إلى الأخذ بما قال به الأستاذ سروش، وإن كان التصريح بمثل هذا ليس بالأمر الذي سيمر مرور الكرام في مجتمعنا، وقد تترتب عليه ردود فعل هو في غنى عنها، ولذا لا أتصور أنه سيأتي اليوم الذي سيكرر فيه الأستاذ فاخر نفس مقولة سروش بهذا الوضوح، وإن كانت تُفهم من مقالاته لمن يتتبعها (لاحظ البند الثالث أعلاه)، لاسيما مع ملاحظة أن سروش تدرّج في طرح رؤاه، فبعد أن كان يقتصر في حديثه على نقد الفهم الديني للنص واعتباره جهداً بشرياً وضرورة التفريق بين النص وبين فهمه (وهذا يمكن البحث بشأنه) أخذ يتحدث لاحقاً عن نقد ذات النص القرآني، فضلاً عن الصحيح من النص النبوي.



النتيجة العملية:



أما النتيجة العملية لكل ما سبق فهو تفريغ القرآن والسنة من محتواهما التشريعي والفكري والأخلاقي إلا في بعض العناوين القليلة، ولن تبقى لهما حجية، وسيكونان عُرضة للتجريح والتنقيص تبعاً لأمزجة البعض تحت عنوان النقد العلمي والتطوير في المعرفة البشرية. ?وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا? الأحزاب:36، ?...وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ? الحشر:7.



الفقرة الفقهية



وصلتني بعض ردود الفعل الإيجابية مع بعض الملاحظات من قبل متابعي الفقرة الفقهية التي أقدمها مع الأخ الدكتور سعد العنزي ضمن برنامج (تو الليل) مساء كل ثلاثاء من «قناة الوطن». وأحب هنا أن أتقدم بالشكر الجزيل للقائمين على القناة على هذه الخطوة المهمة و(الجريئة)، ويمكن للمتابعين الأعزاء تقديم مقترحاتهم وإبداء ملاحظاتهم على البريد الإلكتروني: alwalaa@alwalaa.com.





تاريخ النشر 31/10/2009