ما بين العقد والزفاف ـ مقال للشيخ علي حسن

المشهود في السنوات الأخيرة في مجتمعنا أن الفترة ما بين إجراء عقد الزواج ودخول الزوج بزوجته (الزفاف) فترة قصيرة جداً قد لا تتجاوز الساعات، فهل هذا يعد وضعاً سليماً؟ وهل لهذا الأمر علاقة بارتفاع نسبة الطلاق؟

بالطبع لا أتحدث هنا عن الزيجات التي يكون فيها الطرفان قد تعارفا لمدة طويلة من خلال علاقة القربى والرحم، أو التعارف من خلال أجواء الدراسة أو العمل، بل أتحدث عن الزيجات التي تتم بحيث لا يكون هناك تعارف مسبق، وهي الحالة الأكثر انتشاراً.



أهمية الموضوع:



أهمية الموضوع تنطلق - برأيي الشخصي - من عدة عوامل تؤثر بشكل مباشر في استمرار العلاقة الزوجية، وهي كالتالي:

-1 وفق طبيعة التربية والنظرة إلى العلاقة الزوجية في هذا العصر، فإن للزوجة رأي ودور محوري في الأسرة أكثر مما كان عليه في الماضي، مما يعني أن استمرار الحياة الزوجية ليس مرهوناً بقرار الزوج فقط، بل أصبحت الزوجة أيضاً تملك قرارها (القوي) في ذلك.

-2 غدا الاهتمام بالأطباع والفروقات الشخصية بين الزوجين أمراً حاضراً بقوة في تحديد مدى نجاح العلاقة الزوجية واستمرارها، إذ لم تعد المسألة علاقة رجل بامرأة، بل إنسان بإنسانة، لكلٍّ مشاعره ورغباته ومزاجه وذوقه وأحاسيسه، وعلى كل طرف مراعاة ذلك، وإلا كان الفشل في الحياة الزوجية هو المصير المرتقب.

-3 سهولة التخلي عن بيت الزوجية وبالتالي تفشي الطلاق. وهناك قضايا كثيرة تؤدي هذه الأيام إلى طلب الطلاق، منها أن تكتشف الزوجة أن زوجها: (مدمن على المخدرات أو المسكرات- لديه علاقات مع نساء أخريات- كان مجبراً على هذه الزيجة- الزوج من النوع الذي لا يولي الحياة الزوجية أية أهمية- شلة من الأصدقاء يفضلهم عليها وما إلى ذلك).

وهكذا الأمر بالنسبة إلى الزوج الذي قد يكتشف أن (زوجته مسرفة ووضعه الاقتصادي لا يتحمل نفقاتها- باردة عاطفياً- لديها علاقة مع شاب آخر- بذيئة سليطة اللسان- لا تكترث لأوضاع بيتها- تابعة لأمها بحيث لا تستطيع الخروج من وضعها السابق لتصبح زوجة في بيت جديد وما إلى ذلك).



مرحلة انتقالية:



وهذا ما يجعل قصر الفترة ما بين العقد والزفاف من الأسباب الرئيسة المؤدية إلى كثرة الطلاق، ومن الضروري أن تكون هناك مرحلة انتقالية تبدأ من حين العقد إلى الزفاف قد تمتد لستة أشهر مثلاً بحيث تعطي وقتًا للطرفين للتعرف أكثر، والاقتناع بالاستمرار في الحياة الزوجية، أو إنهاء الارتباط لعدم الانسجام، أو لعدم إمكانية تكوين علاقة طبيعية بين الطرفين لسبب أو لآخر. ولا شك أن طلاق البكر أهون من الثيب أو طلاق صاحبة الولد. ويمكن هنا ترتيب بعض الأمور بحيث تكون التكاليف أقل كأن يكون الحفل للزفاف لا للعقد، إلخ.

بالطبع هذا لا يعني أن كل الأمور ستتضح للطرفين، وستنكشف كل الخبايا والأطباع بحيث يتم تجاوز سلبية قصر المدة تماماً، ولكن حتماً أن هذه الفترة ستُظهر أموراً كثيرة لن تتضح إن كانت الفترة مجرد أيام معدودة. وأيضاً هذا لا يعني أن لا سلبيات في إطالة فترة العقد، إلا أنها أهون بكثير من سلبيات قصر المدة.



وقود الحياة الزوجية:



ومن لطيف ما قرأت في هذا المجال - في إحدى منتديات شبكة الانترنت - ما عبّرت عنه إحدى الفتيات وقد سُئلت عن رأيها في إطالة هذه الفترة فقالت: (إن فترة الخطبة عبارة عن لحظات رومانسية يستمتع بها الخاطبان بأجمل أيام وهي وقود للحياة الزوجية). ولذا من المفترض أن يتم تشجيع المقبلين على الزواج على عدم الاستعجال في أمر الزفاف.



تقرير وزارة العدل:



في الدراسة المعدة من قبل إدارة الاستشارات الأسرية بوزارة العدل بدولة الكويت عن (أسباب الطلاق بين الكويتيين حديثي عهد بالزواج) كان على رأس قائمة أسباب الطلاق هذا البند: (اكتشفت أموراً لم تتبين لي قبل عقد القِران). أكثر من %64 من الإناث قالوا ذلك، و%50 من الذكور. تقول صاحبة الدراسة (تدل هذه النتائج على غياب بعض الحقائق عن أحد الطرفين أو كليهما قبل عقد القِران وهو أمر لا يستهان به، فليس من السهل على المرء أن يكتشف أموراً بعد فوات الأوان خاصة إذا كانت على جانب كبير من الأهمية، وربما لو عرف بها الشخص قبل عقد القِران لكان له موقف آخر. وقد يدل هذا الأمر أيضاً على الاستعجال في اتخاذ قرار الزواج وعدم التحري الكافي عن الطرف الآخر).



مخرج تربوي وشرعي:



قد يقول البعض أنه بمجرد إتمام عقد النكاح بين الطرفين تصبح هذه الفتاة زوجة له، ولا يحرم عليه شئ من الاستمتاعات بينهما، ولذا قد يتحقق الدخول خلال فترة التعارف بعد العقد، الأمر الذي قد تترتب عليه بعض التعقيدات فيما لو وقع الطلاق قبل الزفاف، أو فيما لو توفي الزوج في هذه الفترة، وعندها ستكون الفتاة عند الناس بكراً، بينما هي في الواقع ثيب، ولربما يحدث حمل ولا يتبين إلا بعد الطلاق، وهي مشكلة أخرى.

أقول: هذه السلبية موجودة، ولذا يجب أن تكون هناك:

أولاً: حالة ضبط سلوكي من قبل الخاطبين لتحديد مدى محدد للعلاقة مع متابعة الأهل. وكما يقولون الأصل في هذه الفترة أن (اعرِف الآخر ولا تعرف جسده).

ثانياً: توعية الطرفين إلى هذه السلبيات.. للفتاة لكي لا تسمح للطرف الآخر بتجاوز ما هو متفق عليه، وللشاب كي يميز بين ما يحب، وما يجب أن يفعل.

ثالثاً: يحق للفتاة - ضمن عقد النكاح - أن تشترط عدم الدخول - بل مطلق الاستمتاعات على رأي فقهي آخر - ويجب على الزوج الوفاء به، ففي المسائل المنتخبة للمرجع الديني السيد علي السيستاني مسألة 1012: (يجوز للمرأة في النكاح المنقطع وكذا الدائم أن تشترط على زوجها عدم الدخول بها، فلو اشترطت عليه ذلك لم يجز له مقاربتها ويجوز له ما سوى ذلك من الاستمتاعات، نعم لو رضيت الزوجة بعد ذلك بمقاربتها جازت له).

وفي فقه الشريعة للمرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله ج3 م750: (يجب على الزوجة أن تفي لزوجها بحقه في الاستمتاع بها بالنحو المذكور في المسألة السابقة، حتى لو كانت غير راغبة في الاستمتاع حين رغبته فيه، ما عدا الموارد التالية: الأول: ما لو اشترطت عليه عدم تمكينه من نفسها في جميع الاستمتاعات أو في بعضها، إما صريحاً أو ضمناً، ومن ذلك ترك تمكينه خلال فترة ما بعد العقد وقبل زفافها، وهي المعبَّر عنها في بعض البلاد بفترة الخطوبة، فإنه يكفي في عدم تمكين الزوجة من نفسها فيها ما لو استقر تباني العرف على عدم التمكين، بحيث صار ذلك حاضراً في ذهن المتعاقدين حين التعاقد، ويصير ذلك شرطاً ضمنياً ملزماً له في سقوط حقه عنها والإقتصار في الإستمتاع بها على الحدود الموافقة للشرط). ومن خلال الإجراءات السابقة يمكن الحد من تلك السلبية لتكون إطالة الفترة هي الخيار الأنسب في الزيجات التي تتم بين طرفين لا يعرف أحدهما عن الآخر إلا القليل.


تاريخ النشر 03/10/2009 الوطن الكويتية