البرنامج الأمثل لإدارة الدولة وقيادة المجتمع (1) للسيد حسين بركة الشامي

إن من يتفحص نصوص ومضامين عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر فإنه يجد فيه نظاماً متكاملاً لبناء الدولة الحديثة، وأسس التعامل مع المجتمع، وشروط نجاح القيادة المتصدية والمسؤولة عن إدارة الدولة، والشؤون العامة، ومؤسسات المجتمع المدني، سواء أكان على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي أو الاقتصادي أو الإنساني. وبدورنا في صفحة منتقى الجمان سنقدم منتقيات من كتاب البرنامج الأمثل والذي شرح فيه المؤلف الرسالة مع ملاحظات كثيرة ضمنها في الأثناء.

(هذا ما أمر به عبدالله علي أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولاه مصر جباية خراجها وجهاد عدوها واستصلاح وعمارة بلادها).

يبدأ الإمام علي عليه السلام عهده لمالك الاشتر رضوان الله عليه بهذه الكلمات الأربع: (الجباية والجهاد والاستصلاح والعمارة) وهي تمثل المرتكزات الأساسية والأركان المهمة التي تقوم عليها الدولة، وتبنى عليها مؤسسات المجتمع المدني، وهي تغطي الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وآفاق التنمية والإعمار، وهذه الجوانب تتفاعل وتتداخل بصورة وثيقة وحساسة.

والعلاقة بينها تحتاج إلى قيادة واعية تمتلك القدرة على التخطيط والموازنة، فالأساس الأول قوله عليه السلام (جباية خراجها) تعني هذه الكلمة من النص جانباً من المسار الاقتصادي للدولة بكل ما لهذا الجانب من أبعاد ومعطيات وخطط ومشاريع، لأن الخراج يعني دفع الضرائب والرسوم المالية بمختلف أشكالها وأصنافها من قبل الناس إلى الدولة، خصوصاً ضرائب الأرض الزراعية من أجل أن تقوم الدولة بمهماتها الأخرى من الإعمار والتنمية والصحة والتعليم ومشاريع الحياة العامة.

الأساس الثاني يتجسد في قوله عليه السلام: (وجهاد عدوها) ويعني به الجانب العسكري والأمني الذي يحمي ويحفظ للدولة وجودها وهيبتها ومصالحها العليا من مخططات الأعداء في الداخل والخارج.

الأساس الثالث يشير إليه عليه السلام في قوله: (واستصلاح أهلها) فهو يعني الجانب السياسي والاجتماعي والأخلاقي والاهتمام برعاية شؤون الأمة والمجتمع وضرورة توعية المواطنين على مبادئ الحق والعدل وإرادة البناء ومشاريع الخير وتنمية مواهبها وتوظيف طاقاتها في مجال التكافل والتوازن الاجتماعي وترسيخ مفاهيم التسامح والإيثار والانسجام بين جميع المكونات الاجتماعية.

الأساس الرابع يعبر عنه عليه السلام بقوله: (وعمارة بلادها) حيث تنفتح للحاكم المتصدي مجالات التنمية وآفاق التطوير والموضوعات المستجدة وحركة الحياة والتطور المدني التكنولوجي، إلا أن إعمار البلاد على أهميته ودوره الكبير في توفير الخدمات والرفاه الاجتماعية لا يتوقف عند حدود إنشاء المباني والطرق والجسور والمستشفيات، وإنما هو منهج في التفكير وفي التخطيط والعمل، لابد أن يحكم كل الحياة من خلال فتح آفاق تنموية رحبة في مجالات التعليم والصحة والأدب والثقافة والتكنولوجيا العالية وتوجيه الأمة بكل قطاعاتها إلى استثمارها.