حديث الجمعة 1 رمضان1441: الشيخ علي حسن : رمضان بنكهة كورونا

- شهر رمضان شهر مميز في كل شيء... في فريضة الصيام خلال النهار... في الإقبال المكثّف على الأعمال المستحبة والسنن ليلاً ونهاراً... في العناية بكتاب الله (عز وجل)......
- في توجّه الناس من أطراف العالم لأداء العمرة في موسم يضاهي موسم الحج كثافة وإقبالاً... وكذلك في الأجواء الاجتماعية المصاحِبة لبدء الإعلان عن هذا الشهر.....
- في الحضور المكثف في المساجد في أوقات الفرائض لأداء الجماعة وحضور الدروس الدينية المصاحبة لها، وتلاوة كتاب الله، وحضور دروس تصحيح القراءة وأحكام التجويد.
- وفي أعمال الخير المتنوعة التي يبادر للمساهمة فيها حتى أبسط الناس انطلاقاً من حب العطاء الذي نفخ فيه رسولُ الرحمة محمد (ص) الروحَ حيث يسّر الأمر بقوله: (اتَّقُوا النَّارَ وَ لَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، اتَّقُوا النَّارَ وَ لَوْ بِشَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ). وعلى رأسها موائد الرحمن لإفطار الصائمين.
- في بعض البلدان التي تعاني أزمات اقتصادية، ومستوى دخل الفرد فيها متدنّي، غالباً ما يكون شهر رمضان هو الوقت الوحيد في السنة الذي تأكل فيه بعض الأسر اللحم، أو شيئاً من الدجاج مع الأرز على سبيل المثال.
- وهو شهر مميز في العشر الأواخر منه حيث يُقبِل الناس على المساجد لإحياء لياليه بالصلاة وتلاوة كتاب الله والدعاء والتوبة وطلب الرحمة أملاً بالفوز برضوانه ومغفرته واللطف فيما يكتب إلى سنة قادمة.
- وهذا طبيعي بلحاظ وصف النبي (ص) لهذا الشهر: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللهِ بِالْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ. شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اللهِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، وَأَيَّامُهُ أَفْضَلُ الأَيَّامِ، وَلَيَالِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي، وَسَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَاتِ. هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللهِ، وَجُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللَّهِ. أَنْفَاسُكُمْ فِيهِ تَسْبِيحٌ، وَنَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ، وَعَمَلُكُمْ فِيهِ مَقْبُولٌ، وَدُعَاؤُكُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٌ. فَاسْأَلُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ، وَقُلُوبٍ طَاهِرَةٍ، أَنْ يُوَفِّقَكُمْ لِصِيَامِهِ، وَتِلاوَةِ كِتَابِهِ، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ).
- ولكن رمضان هذا العام مختلف تماماً، إذ سيتأثّر بسبب جائحة كورونا المستجد كلُّ ما له علاقة بالتفاعل والحضور الجماعي، سواء على مستوى العبادات، أو أعمال الخير، أو تعزيز العلاقات الاجتماعية.
- كما أن تعطيل غالبية الأنشطة الاقتصادية عالمياً ومحلياً أثّر بشكل كبير على مداخيل الناس وأوضاعهم الاقتصادية، وبالتالي قدرتِهم على المساهمة المعهودة مالياً في أعمال الخير، بل ولربما تحولت كثير من هذه الأسر من موقع العطاء والمساعدة إلى موقع الحاجة إلى المساعدة.
- هذا الوضع الاستثنائي يتطلب منّا التفكير في الاستراتيجيات البديلة المتعلِّقة بالأبعاد الثلاثة، العبادية والخيرية والاجتماعية، بحيث نحافظ على مستوى مقبول من هذه الأنشطة المختلفة التي يتميّز بها الشهر، ولا نفقد امتيازاته، وإن فقدنا درجةً أو مستوىً معين مِن ذلك.
- فلنبدأ أوّلاً مع البُعد العبادي:
1. توفير أجواء صلاة الجماعة: يمكن لرب الأسرة أن يؤمّ زوجتَه وأبناءه جماعةً إذا وَجد في نفسه مؤهلات إمامة الجماعة، وإلا فيمكنهم أن يقتدوا به شكلياً... بأن يصلّي كل منهم فرادى ولكن في هيئة إمام وصفوف صلاة، ويتابعونه، وكلٌّ يقرأ الحمد والسورة لنفسه.
2. إقامة الجلسات القرآنية بين أفراد الأسرة: سواء لأحكام التجويد أو التلاوة أو تصحيح القراءة، ويمكن تشكيل دروس عبر الإنترنت بشكل مسجَّل من خلال اليوتيوب، أو مباشر عبر موقع زوم.
- جاء في خطبة النبي (ص) في استقبال شهر رمضان: (وَمَنْ تَلَا فِيهِ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ).
3. وعلى هذه الشاكلة يمكن ترتيب سائر البرامج الدينية من محاضرات أو جلسات مشتركة للدعاء أو مجالس حسينية، كما يمكن الاتفاق مع بعض التربويين في المجال الديني لتقديم دروس، أو عقد حلقات نقاش دينية، أو دورات معينة للأطفال والشباب بنفس الطريقة السابقة.
- ننتقل الآن إلى البُعد الخيري:
1. من أجل أن تكون ساعياً إلى الخير في هذا الشهر، ليس بالضرورة أن تُقدّم مالاً أو طعاماً – إن لم تملك منه ما يكفي – بل اسع من خلال العطاء العملي، ببذل الجهد في إيصال ما يقدّمه المحسنون، أو إعداد الطعام معهم، أو بالبحث عن الحالات المتعففة وربطها بالجهات المحسنة.
2. مع فقدان إمكانية عقد الموائد الجماعية، بسبب الحظر الليلي أو منع التجمعات العامة، يمكن توفير وجبات الطعام بشكل فردي للمحتاجين مع مراعاة أقصى درجات الوقاية الصحية في الإعداد والتوزيع ووفق توصيات الجهات المختصة.
3. عند إمكانية عقد الموائد الجماعية يُنصَح أن تتم في الهواء الطلق قدر الإمكان؛ وإذا تعذّر ذلك ففي الأماكن ذات التهوية الجيدة، مع اختصار الحدث قدر الإمكان، والأولوية لعقد خدمات أصغر مع عدد أقل من الحضور، وضرورة التباعد بين الحاضرين، سواء عند الجلوس والوقوف، وتنظيم عدد وكيفية تدفق الأشخاص بصورة آمنة.
4. هناك مجموعة من التوصيات المهمّة أطلقتها منظمة الصحة العالمية تحت عنوان (دليل منظمة الصحة العالمية لرمضان آمن في ظل كورونا) أنصح جداً بمطالعتها، وهي متوفرة على الانترنت تحت العنوان الذي ذكرته ويظهر على الشاشة.
5. يمكن المساهمة أيضاً من خلال دعم الجهات الخيرية الموثوقة لتقوم بالمهام سالفة الذكر، وتذكّر أن سعيك بنفسك في هذا الأمر فيه ثواب عظيم مع كل مسافة تقطعها وكل جهد تبذله، فلا تتكاسل وتتكل على الجهات الخيرية بأن تأتي إليك، فطاقتها في التنقل محدودة.
- أما بالنسبة إلى البُعد الاجتماعي:
- سيتأثر هذا البُعد حتماً وبشكل كبير بأجواء الحظر والتخوّف من العدوى والإجراءات الوقائية، ومن الضروري – ما أمكن – الاستعانة ببعض وسائل وبرامج التواصل الاجتماعي للتلاقي والتهنئة بالشهر وإيجاد بعض الأجواء الاجتماعية - ولو عن بُعد – إبقاءً على هذه الميزة الرائعة في شهر رمضان، والمتوافقة مع عناوين بر الوالدين وصلة الأرحام وتلاقي الأصدقاء والجيران.
- الحظر وتقييد الحركة وحالة الصيام نفسها ولربما الوضع الاقتصادي للأسرة كله يصب في اتجاه خَلق أجواء متوتّرة – أحياناً لأتفه الأسباب – وزيادة حوادث العنف المنزلي.....
- وهذا يستدعي مراقبة النفس لضبطها متى ما ظهرت حالات من الغضب أو العنف أو بوادر ذلك.. تحلّي الطرف المقابل بالصبر والحلم ما أمكن..
- جاء في خطبة النبي (ص) في استقبال شهر رمضان: (وَوَقِّرُوا كِبَارَكُمْ، وَارْحَمُوا صِغَارَكُمْ، وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَاحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ.... أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ حَسَّنَ مِنْكُمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ خُلُقَهُ كَانَ لَهُ جَوَازاً عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ، وَمَنْ خَفَّفَ فِي هَذَا الشَّهْرِ عَمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ خَفَّفَ اللَّهُ عَلَيْهِ حِسَابَهُ، وَمَنْ كَفَّ فِيهِ شَرَّهُ كَفَّ اللَّهُ عَنْهُ غَضَبَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ).
- يعني إذا لم يكن الدافع ذاتياً، ولا خوفاً على كيان الأسرة، ولا مراعاة لشعور الآخرين، فليكن الدافع على الأقل – وأنت تتطلع في أجواء شهر رمضان إلى رحمة الله – هو ما ستناله على مستوى الآخرة كما جاء في خطبته (ص).
- (أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ أَبْوَابَ الْجِنَانِ فِي هَذَا الشَّهْرِ مُفَتَّحَةٌ، فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لا يُغَلِّقَهَا عَنْكُمْ، وَأَبْوَابَ النِّيرَانِ مُغَلَّقَةٌ، فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لا يُفَتِّحَهَا عَلَيْكُمْ، وَالشَّيَاطِينَ مَغْلُولَةٌ، فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لا يُسَلِّطَهَا عَلَيْكُمْ).. نحن أمام تحدٍّ من نوعٍ آخر.. شهر رمضان بنكهة كورونا.. فهل سنطوّر استراتيجيتنا الخاصة لتكييف الظروف الاستثنائية بما لا يُضيّع علينا فضائل هذا الشهر؟