حديث الجمعة 24 شعبان1441: الشيخ علي حسن : طاغوت أم رسول ؟

- كورونا.. هذا الاسم مشتق من التاج الملكي بلحاظ المستقبِلات الناتئة التي تحيط بالغلاف الكروي للفيروس مما يوحي في شكله الظاهري أنه يتخذ لنفسه ما يشبه التاج.
- إنه – بقراءة أوّلية - ملك طاغية ، ولكن من نوع آخر!
- عرفت البشرية الطواغيت عبر آلاف السنين، برأس وجسد ويدين ورجلين... من حيث الحجم لا يختلفون عن سائر الناس، ومن حيث الشكل يصنفون ضمن الجنس البشري في قوامه وحاجاته وطبيعته وما إلى ذلك.
- أما هذا الطاغوت المستجد فشيء آخر تماماً.. إنه لم يرتق حتى ليصبح خلية.. ولو خلية واحدة كالبكتيريا... مجرد مادة محاط بغلاف ومجموعة من المستقبلات أعطته شكله المعروف.. كرة ترتدي تاجاً!
- ومع هذا فهو اليوم أقوى وأكثر طغيانا من أي طاغوت بشري عرفه الإنسان...
- فهو مُتناهي في الصِّغَر بحيث لا يُرى بالعين البشرية، بل لو كانت للبكتيريا عيون لما أمكنها أن تراه، لصِغَر حجمِه!
- ومع هذا فإنه قاتل فتاك لا يَرحم أحداً، وينتقل بخفاء، ويحط رحلَه حيث يشاء، ثم يبدأ بكل نشاط بحثاً عن رئة بشرية جديدة، يستوطن خلية من خلاياها، ثم يتكاثر من خلالها ليدمرها، ويقتل بذلك الإنسان في غضون أيام.
العالم بأجمعه في حالة استنفار أمام هذا الطاغوت الذي لا يملك لا جسداً ولا يدين ولا رجلين ولا عينين... بل ولم يرتق ليكون خلية واحدة!
هل يملك هذا الفيروس عقلاً فيتخذ قراراته؟ المنطق يقول أن التفكير فرع وجود العقل، وهذا الطاغوت لا عقل له.
هل يوجهه كائن عاقل ليمثل أداة طيعة بيده، كما يتحكم بعض الناس بالروبوتات، فيحركه تارة هنا ويوقفه عن العمل هناك، ويستخدمه ضد جنس بشري معين، أو ضد أبناء بلد ما، أو للخلاص من طبقة ما من طبقات البشر؟
كل المعطيات على الأرض تؤكد أن هذا الفيروس لا يفرّق بين غني وفقير، ولا بين مسؤول كبير وعاطل عن العمل، ولا بين ذكر أو أنثى، ولا بين متدين وملحد، ولا بين شرقي أو غربي... إلخ قائمة التمايزات بين البشر.
إلى الآن البشرية بتكاتف جهودها البحثية وإمكاناتها المالية والعلمية والبشرية عاجزة عن إيقاف هذا الهجوم الكاسح لهذا الطاغوت المستجد.
- هل هو بالفعل طاغوتٌ متجبر مستجد، أم لعله رسولُ رحمةٍ من عند الله، ليُعيد للناس شيئاً من صوابهم وتواضعهم وتخشّعهم وهم يعيشون طغيان المادّية الساديّة التي لم تُبقِ للروحانية إلا هامشاً لا يكاد يُلحَظ. (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) [العلق:6-7].
- والرحمة أحياناً قد تكون قاسية، كالمبضع حين يستأصل به الجراح عضواً من أعضاء الإنسان ليُبقي على حياته؟
- وروي عن الإمام الرضا (عليه السلام) قوله: (كلما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون، أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون).
- ولعله رسولٌ نذيرٌ من عند الله، في محاولة إلهية أخرى لردع الإنسان عن طغيانه المتمادي، وتذكيره بمصيره الأخروي، وليُغلق أمامه أبواب الاحتجاج بالجهل والغفلة: (رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) [النساء:165].
- قال أبو جعفر المنصور يوماً للإمام الصادق (عليه السلام) وقد وقع على الخليفة ذباب فذبه عنه، ثم وقع عليه فذبه عنه، ثم وقع عليه فذبه عنه، فقال: (يا أبا عبد الله، لأي شيء خلق الله الذباب؟ فقال: ليُذل به الجبارين)!
- وفق سنن الوجود سيتوقف زحفُ هذا الفيروس يوماً، وسيهدأ طغيانه الذي لا يُعرف له إلى اليوم أية حدود، وستعود الحياة إلى طبيعتها المعهودة، ولو بشكل تدريجي، وستختفي الماسكات من على الأنوف.. والقفازات من الأيدي.. والمعقمات الكحولية التي باتت بديلاً عن زجاجات العطور التي كنا نحملها معنا أينما حللنا..
ولكن السؤال الكبير: هل ستتعلم البشرية من هذا الدرس شيئاً فتصحِّح جملة من أخطائها القاتلة؟
هل سيعترف الإنسان بضعفه أمام الإرادة الإلهية والقوة الغيبية التي خلقت هذا الكائن المتناهي في الصغر وفي بساطة التركيب كما خلقت هذه المجرات بحجمها الهائل، وهذا الإنسان بتركيبته المعقدة؟ ليعترف من خلال ذلك بعجزه عن الاستقلال بهذا الوجود، أم ستبقى بعض النماذج تصر على الاستكبار والإلحاد وإنكار وجود الخالق المدبر؟
- (وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) [الحج:73].
هل ستتوقف وحشية الطواغيت البشرية مكراً وجشعاً واستكباراً وظلماً، أم تزداد توحشاً في حالة من التسابق مع الزمن لتحقيق أكبر المكاسب في أقصر وقت ممكن؟
هل سترمي البشرية حواجز الفروقات العرقية والقومية والشكلية والطبقية وتعود إلى أصالة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات:13] لترسخ مبدأ التعارف والتكامل والتعاون بدلاً عن كل مشاريع الاستكبار والاحتلال والاستعباد ونهب الثروات والحروب والعدوان، وذلك بعد أن كشف لهم هذا الطاغوت المستجد حقيقة الطبيعة البشرية الواحدة التي تجمعهم؟
لا يملك أحد أن يقرأ المستقبل على وجه اليقين، ولكن سنن الحياة المودعة في كتاب الله تحكي لنا رحلة الإنسان مع متقلبات الحياة: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [يونس:22-23].
- وأخيراً، قد لا نملك أن نغيّر من واقع الآخرين كثيراً إلا بمقدار ما نبذل من جهد للتذكير (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ) [الغاشية:21-22].
- ولكن على مستوى المسئولية الشخصية فإن الله وضع لنا خارطة طريق في الأزمات العاصفة عندما يقع الإنسان تحت وطأة الظروف القاهرة الصعبة: (إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا، إِلاَّ الْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ) هذا البُعد الأول، بعد عبادي روحي، أما البُعد الثاني: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ، لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) والتقارير تتحدث عن أن جائحة كورونا قد تدفع بنصف مليار إنسان للعيش تحت خط الفقر، أما البُعد الثالث فيتمثّل في التخطيط السليم لمسار الحياة من خلال تحديد الهدف الذي ننطلق نحوه: (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) [المعارج:19-27].
- نحن على أعتاب شهر رمضان المبارك، شهر العبادة والروحانية وأعمال البر والإحسان، وإذا كان منسوب عطائنا فيما مضى من أشهر رمضان بمستوى معين، فمن الأهمية اليوم بمكان أن نضاعف ذلك بالنظر إلى الواقع الاقتصادي المتردّي تحت وطأة جائحة كورونا المستجد.