حديث الجمعة 25 رجب 1441: الشيخ علي حسن : كورونا.. بين العقاب والصدمة


- عند وقوع الزلازل الشديدة والفيضانات المدمرة وانتشار الأوبئة القاتلة وأمثال ذلك، يصف البعض - من المسلمين وغيرهم – هذا الحدث بأنه عذاب وعقاب من الله أنزله على الناس لذنوبهم. والغريب أن بعضهم يتحدث بكل ثقة وكأنه الناطق باسم السماء!
- والبعض يقسّم الناس المبتلين بنازلة من هذه النوازل إلى صنفين، فبالنسبة إلى هذه الفئة أو هذا المعسكر، هو عذاب وعقاب، وبالنسبة إلى تلك الفئة وذلك المعسطر اختبار وابتلاء.
- وعادة ما يكون التقسيم مبتنياً على الانتماء العقدي، مسلم في مقابل غير مسلم، ومن أتباع هذا المذهب في مقابل الآخرين من أتباع الديانات والمذاهب الأخرى. فلهؤلاء اختبار ولأولئك عقاب.
- وكل فئة تسحب القرص لنارها. وقد تتحول المسألة إلى سبب للتراشق الديني والمذهبي.
- والواقع أننا لو دققنا في حجم المفاسد في بلاد المسلمين والظلم لربما وجدناها أحياناً أضعاف ما في مجتمعات أخرى، والمسألة في واقعها نسبية.
- يعني من يعتبر أن أم المفاسد هي الزنا وشرب الخمر والغناء وأمثال ذلك، فسيعتبر أن المجتمعات غير الإسلامية هي الأكثر ارتكاباً للمعاصي، والأحق بالعقاب، بينما الذي يعتبر أن الظلم والفساد السياسي والتعدي على حقوق الإنسان والاعتقلات التعسفية والتعذيب وأمثال ذلك هي أم المفاسد، فسيعتبر أن كثيراً من المجتمعات الإسلامية هي الأكثر ارتكاباً للمعاصي.
- وعلى كل حال، بتصوّري أن انصراف الذهن مباشرة إلى هذه فكرة العقاب والعذاب يحتاج إلى إعادة نظر... وعادة ما لا يحقق نتيجة إيجابية مستمرة عند الإنسان.
- فمن يحلل الأمر بهذه الصورة قد يتوجّه إلى الله في هذه المحنة والشدة نتيجة الخوف، ولكنه سرعان ما يعود إلى سيرته الأولى عندما يتخفف من وقع المصاب: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ، وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ) قليلون هم الذين يستفيدون من هذه التجربة إيجابياً (وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) [لقمان:31-32].
- ولربما كان الأفضل أن نقرأ الحدث المؤلم والشديد على أنه نوع من الصدمة التي تنزل بالإنسان على مستوى فردي أو جماعي من أجل أن يعود إلى رشده في كيفية معالجة مواطن الخلل عنده بشكل جذري.
- عندما يتم تشغيل الكشّاف الضوئي القوي فجأة، فتوجّه أنظارك إليه تلقائياً، هل الأفضل أن تبقى محملقاً في هذا الكشاف حتى تفقد القدرة على البصر، أم أن تستفيد من هذا الوهج لاكتشاف ما حولك بصورة أفضل؟
- كتبت إحدى الأمريكيات أن تيار اليمين المسيحي المتشدد في الولايات المتحدة يُكثر الحديث هذه الأيام عن هذا العذاب والعقاب النازل على البشر لارتكابهم المعاصي، فتقول: أ ليس الأفضل بهؤلاء أن يتحدثوا عن ضرورة إعادة الحكومة الأمريكية النظر في سياساتها الصحية والرعائية الظالمة بحق الفقراء وضعاف الحال بعد أن كشف انتشار هذا الوباء عن عدم قدرة هؤلاء على وقاية ومعالجة أنفسهم بسبب الفقر والإعواز؟
- هذا المنطق نجده بوضوح في معالجة سورة آل عمران ابتداء من الآية 121 لمأساة الهزيمة في غزوة أحد، حيث بدلاً من الاستغراق في المأساة سلّطت الآيات القرآنية الضوء على الأخطاء والسلبيات لمعالجتها بعد أن انكشفت من خلال هذه النازلة العصيبة.
- أعتقد أننا بحاجة حقيقية إلى إعادة النظر في كيفية تحليلنا وقراءتنا للأمور، لأن هذا سيؤثر حتماً على تصحيح مسيرتنا في الحياة.