خطبة الجمعة 15 جمادى الأولى1441: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: استشهاد أسد الله حمزة

- في غزوة أحد التي جرت في السنة الثالثة من الهجرة وبعد غزوة بدر بسنة واحدة تقريباً، تلقّى المؤمنون أكثر من صدمة، أولى تلك الصدمات تمثّلت في الهزيمة في ساحة المعركة، بعد أن كانت الأمور تسير في اتجاه تحقيق نصرٍ كبيرٍ على المشركين الغزاة.
- ولعل الذي زاد مِن وقع صدمة الهزيمة، هو التصور المُسبق الذي كان يحمله قسم من المؤمنين بأنْ لا احتمال سوى النصر في كل مواجهة بين معسكري الحق والباطل، وذلك انسجاماً مع الوعد الإلهي: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم:47].
- ومن هنا نجد أنّ صدمةَ الهزيمة في المعركة دفعت ببعضهم للشك في مصداقية الإيمان بالرسالة، وفي مصداقية الوعود الإلهية: (وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ) [آل عمران:154].
- هذه صدمة، والصدمة الأخرى تمثّلت في استشهاد أسدِ الله وأسدِ رسوله حمزة بن عبد المطلب.
- مع احترامنا لصحابة رسول الله (ص) إلا أنهم لم يكونوا بأجمعهم رجالَ حرب وبطولات قتالية، كان هناك تفاوت فيما بينهم في القدرات القتالية ومهاراتها، والشجاعة والقوة البدنية وما إلى ذلك.
- كان عم النبي حمزة (رض) يُعتبر في الجاهلية فتى قريش لشجاعته وبسالته، ويكفيه أنه حينما علم بأن أبا جهل قد أساء لرسول الله، وقف أمام رجالات قريش وضرب أبا جهل بقوسه وشجّ رأسَه وأعلن إيمانَه بالرسالة، ولم يهَب ردودَ أفعالهم، ولم يجرؤ أحد على مواجهته، وهو وحيد، وهم كثُر.
- كما كان من أعراف الحروب آنذاك أن يُعلِم الشجعان والأشداء في القتال عن أنفسهم بريشة طويلة يضعونها على الصدر أو على البيضة (أي ما يشبه الخوذة العسكرية) التي يرتدونها... وما كان كل أحد ليجرؤ على فِعل ذلك، لأنه سيكون مقصداً للمقاتلين الأشدّاء من معسكر الخصم.
- وحمزة كان من أولئك القلائل... في غزوة بدر والتي روي أنه قاتل فيها بسيفين... وفي غزوة أحُد حيث أعلَم نفسه بريشة نسر.
- يقول قاتلُه وحشي: (رأيتُ حمزةَ يَفري الناس فرياً، فكَمَنتُ له إلى صخرة وهو مُكبِس) مهاجم (له كَتيت،) صوت الأنفاس في الصدر (فاعترَضَ له سِباع ابن أم نِيَار) ثم ذكر وحشي كيف حمله حمزة ثم ألقاه وبرك عليه وقتله، قال: (ثم أقبل عليّ مكبّاً حين رآني، فلما بلغ المسيل) مجرى الماء (وطيء على جُرُف) شِق أو أرض محفورة بالماء (فزلّت قدمُه) وكانت هذه هي اللحظة التي استغلّها وحشي (فهززتُ حربتي حتى رَضيت منها، فأضرب بها خاصرتَه حتى خَرَجت من مثانته، وكرّ عليه طائفةٌ من أصحابه فأسمعُهم يقولون: أبا عُمارة! فلا يجيب. فقلت: قد والله مات الرجل).
- وكان وَقْعُ استشهادِ حمزة على النبي شديداً، فبعد أن جاء إليه عليٌّ بخبر استشهاده: (خرج النبي (ص) يمشي حتى وقف عليه فقال: ما وقفت موقفاً قط أغيظ إليّ من هذا الموقف).
- وفي رواية أنه لما بدأت عملية دفن الشهداء بعد انتهاء المعركة: (كان كلما أتي بشهيد، وُضع إلى جنب حمزة بن عبد المطلب، فصلى عليه وعلى الشهداء، حتى صلّى عليه سبعين مرة).
- استشهاد حمزة، بالإضافة إلى سائر الشهداء الذين قاربوا السبعين، ومن بينهم الصحابي الجليل مصعب بن عمير، الذي كان يمثّل قيمة رمزية أخرى لما له من دور في هداية أهل المدينة وتعليمهم، بلحاظ كونه سفيرَ رسول الله إليهم، مثّل صدمةً كبيرة، وهو الأمر الذي استدعى تدخّلاً إلهياً لمعالجة الآثار السلبية المترتبة عليها وعلى سائر الصدمات.
- فكيف كانت هذه المعالجات كما نجدها في سورة آل عمران والتي اختصّ قسم كبير من آياتها بهذه الغزوة وآثارها؟ وما هي الرسائل التي تحملها هذه الآيات الشريفة؟ ستكون لنا وقفة في الخطبة الثانية بإذن الله لاستيضاح ذلك كله.