خطبة الجمعة 11 ربيع الأول 1441: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: أيهما أكبر.. الذِّكر أم الصلاة؟

- لو سألتُ الناس عن أيهما أهم وأعظم.. الصلاة أم (ذِكر الله).. فلربما توافقونني أن الإجابة التي يبادر إليها أغلب الناس هي أن الصلاة أهم وأعظم من (ذكر الله)، وأن (ذكر الله) جزء من الصلاة، تماماً كما أن القيام وقراءة الفاتحة والركوع والسجود والدعاء من أجزاء الصلاة.
- ولكن عندما نعود إلى القرآن الكريم سنجد أن الله تعالى يقول: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45].
- هذه الآية صريحة وواضحة في أن (ذِكرَ الله) أكبر من الصلاة، فما الذي أوقعَنا في هذا الخطأ؟
1. عدم تكوين معرفتنا من خلال القرآن بلحاظ كونه المرجع الأول في ذلك، وجعلنا بعض الروايات التي أحياناً لا نعلم مدى صحة صدورها عن النبي (ص) أو الإمام (ع)، أو دقة مضمونها، مقدَّمة
على القرآن الكريم، مما سبّب لنا خللاً منهجياً ومفاهيمياً في أكثر من اتجاه.
2. التفسير الخاطئ للمصطلحات القرآنية، كمصطلح (ذِكر الله) مثلاً.
- بالطبع، فإن البعض بمجرّد أن يسمع مثل هذا الكلام يبادر ليقول: في هذا الكلام تحريض على إهمال الصلاة وتركها، في الوقت الذي نعاني فيه من التزام أبنائنا على الالتزام بالصلاة.
- لا أبداً أنا لست في وارد التحريض على إهمال الصلاة.. لأنني لم أقل أصلاً أن الصلاة غير مهمة، بل قلت أن (ذكر الله أكبر) من الصلاة.
- وهذا تماماً مثل أن أقول للمريض بالسكّر: (تناوُل الطعام الصحي وأن تعرف ماذا تأكل وعن أي الأطعمة تجتنب أهم من تناول الطعام في حد ذاته).. فهل هذا تحريض على عدم الأكل؟
- ويأتي آخر ويقول: أنت بقولك هذا تحرّض ضد الأحاديث، وتُبعد الناس عن النبي وأهل بيته.
- لا أبداً، أنا لست محرِّضاً ضد الأحاديث، ولا أريد أن أُبعد الناس عن النبي وآله.. لكن أقول لكلٍّ موقعه.. هناك تراتبية.. ومتى ما أهملنا هذه التراتبية وقعنا في الخطأ.
- كلنا يحفظ حديث الثقلين ويقدّمه كحجّة على الآخرين في مقام بيان عترة النبي، ولكننا نتغافل أو لا نحب أن ننتبه إلى جانب مِن هذا الحديث حيث يقول فيه النبي (ص) – كما روي عنه - : (إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي، أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الآخَرِ) وفي رواية أخرى [أكبر من الآخر] (كِتَابُ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي ، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا).
- أليست هذه الأعظمية أو الأكبرية تتضمّن تنبيهاً إلى ضرورة تقديم القرآن كمرجع أوّل في بناء المعرفة الدينية، بالإضافة إلى جعلِه المعيار في تقييم ما يصلنا من كلام النبي وآله؟
- النبي (ص) نفسه أسّس لهذا المنهج حيث قال: (ما جاءَكُم عنِّي فاعرِضوهُ على كتابِ اللَّهِ فما وافقَهُ فأَنا قلتُهُ، وما خالفَهُ فلَم أقلهُ)، وفي لفظ آخر: (إذا رُوِيَ عنِّي حديثٌ فاعرِضُوه على كتابِ اللهِ، فإذا وافَقَه فاقبَلوهُ، وإنْ خالَفَه فرُدُّوه).
- والعترة أكّدوا ذات المنهج في التقييم وفي حفظ التراتبية ففي الكافي عن أبي عبد الله (ع) قال: (قال رسول الله (ص): إنّ على كلِّ حقٍّ حقيقةً، وعلى كلِّ صوابٍ نوراً، فما وافق كتابَ الله فخذوه وما خالفَ كتابَ الله فدَعُوه). وفيه أيضاً عنه (ع): (ما لم يوافِق مِن الحديث القرآنَ فهو زخرف).
- فكي نفهم كيف يمكن أن يكون ذِكرُ الله أولى وأكبر، لابد أن نعود إلى نفس القرآن الكريم لنبني معرفتنا لمفهوم ذكر الله من خلال القرآن، وحينها ستتضح الأمور، ونضع كل شيء في موضعه.
- وستكون لي في الخطبة الثانية وقفة لمحاول توضيح مفهوم (ذِكر الله) كما جاء في القرآن.