خطبة الجمعة 17 ذوالقعدة 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: مَن الأفضل.. الذكر أم الأنثى؟

- قال تعالى: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) [الشورى:49-50].
- ليس في القرآن حديث عن أفضلية جنس على جنس، لا أفضلية الذكر على الأنثى، ولا الأنثى على الذكر، بل هو حديث عن تنوّع الأدوار، وعن حاجة كل منهما إلى الآخر، وأن الحياة لا تقوم إلا بوجودهما معاً، وأن استمرار الحياة بصورتها الصحيحة لا تكون إلا بقيام كلٍّ منهما بدوره فيها.
- قد يقال: وماذا عن قوله تعالى بخصوص أم السيدة مريم (ع): (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى) [آل عمران: 36]؟ أليس في هذا دلالة على التفضيل؟
- الإجابة بالنفي، فالآية مرتبطة بالحديث عن نذر قامت به والدة السيدة مريم (ع) حيث قالت: (إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [آل عمران: 35]. فالمسألة مرتبطة بهذا النذر الذي كان يتضمّن وضع هذا المولود المنتظَر في المعبد ليعيش فيه ويقوم بخدمة المكان.
- هذا الأمر لم يكن مهيأً للإناث، بل خاصاً بالذكور، ومن هنا قالت: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى).
- والذي يؤكّد عدم الحديث عن الأفضلية في الجنس تتمة الآيات: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [آل عمران:37].
- فالنبي زكريا (ع) – وهو الذكر – تفاجأ بهذا الرزق الإلهي الخاص بالسيدة مريم (ع) – وهي الأنثى والفتاة الصغيرة فنالت ما لم يناله زكريا (ع) وهو الرجل والنبي – فهل هذا يتناسب والحديث عن أفضلية الذكر على الأنثى؟
- وهنالك دعا زكريا (ع) ربه أن يرزقه ذرية طيبة دون تحديد للجنس.
- الأفضلية في المنطق القرآني مرتبطة بالفرد نفسه، لا بالجنس، ولا بالقومية، ولا بالانتماء الأسري أو القبَلي، ولا بأي عنوان آخر، وتحكمها القاعدة التالية: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات:13].
- فما يقدّمه الفرد على مستوى الإيمان والعمل الصالح بما يرفع مستوى التقوى عنده هو الذي يجعله في الموقع الأعلى أو الأدنى بالنسبة إلى الآخرين.
- ولذا كانت السيدة مريم - الفرد – وقبلها امرأة فرعون أفضل من غالبية الرجال والنساء، فقُدِّمت مثلاً وأسوة للمؤمنين والمؤمنات، قال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) [التحريم:11-12].
- إن القاعدة القرآنية التي تحكم مسألة الأفضلية ليتشارك الرجل مع المرأة في الجزاء الأخروي خاضعة لما قدّمت يدا كلِّ فرد منهما في إطار الإيمان والعمل الصالح. قال تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب:35].