خطبة الجمعة 3 ذوالقعدة 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: إقرار قانون الأحوال الجعفرية


- لما كان من طبيعة البشر التنازع والاختلاف والتخاصم والعدوان على بعضهم البعض، انطلاقاً من تعارض المصالح فيما بينهم، وتباين آرائهم، وقوة غرائزهم، وحب الذات، والرغبة في الانتصار لها، لذا كان من الضروري أن يُحتَكم إلى أفراد يمتلكون صفاتٍ تؤهلهم للبت في هذه الخصومات والمنازعات وحالات الاعتداء وتحكيم العدالة فيما بينهم.. وهو ما يُعرف بعنوان القضاء.
- وبمرور الزمان، تطورت عملية التحاكم، وظهرت القوانين والأنظمة القضائية.
- في الكويت صدر قانون تنظيم القضاء قَبل الاستقلال، وذلك في سنة 1959م، ثم صدر القانون الجديد لتنظيم القضاء سنة 1990.
- وفي سنة 1984 صدر قانون الأحوال الشخصية الخاص بالزواج والطلاق والإرث والوصايا والأوقاف، والذي نصّ في المادة 346 منه على أن هذا القانون يُطبَّق (على كل مَن يُطبَّق عليهم مذهب الإمام مالك، وفيما عدا ذلك فيطبَّق عليهم أحكامُهم الخاصة بهم).
- وإذ لم يتطرق القانون لإقامة دائرة أحوال جعفرية، ولا لتشريع منظِّم لقوانين الأحوال الشخصية وفق المذهب الجعفري، فقد عرّض هذا الفراغ التشريعي أبناء المذهب الجعفري أحياناً إلى بعض التداعيات الاجتماعية والشرعية الخطيرة.. وسأشير إلى بعضها بعد قليل.
- نعم، خلال العقود الماضية كان من المتعارف عليه أن يقوم مجلس القضاء الأعلى بفرز دائرة إدارية بداية كل موسم قضائي للنظر في دعاوى الأحوال الشخصية الجعفرية.
- كما قام قضاة هذه الدائرة - وقد يكونون من إخواننا من أهل السنة أحياناً – بالرجوع إلى الرسالة العملية للسيد محسن الحكيم، ثم السيد الخوئي، وحالياً للسيد السيستاني، كمصدر للأحكام.
- صياغة الوضع بهذه الصورة أفرز عدة مشاكل، من بينها:
1. عدم التزام بعض القضاة أحياناً بما جاء في أحكام الرسالة العملية للمرجع الأعلى، لعدم وجود قانون يلزمهم بذلك.
2. عندما تصل الدعاوى إلى درجة التمييز، لا يتم الفصل فيها وفق المذهب الجعفري.
3. صدور أحكام طلاق الضرر مثلاً من قبل بعض القضاة، مع عدم كون القاضي مجتهداً أو وكيلاً له في ذلك، مما يؤدي إلى بطلان الطلاق شرعاً ووقوعه قانوناً.
- وغير ذلك من الموارد التي وصل فيها الحال أحياناً أن يقع النكاح الثاني باطلاً، مع التحريم الأبدي بين الزوجين، ولا يخفى الأثر السلبي لذلك - نفسياً على الأقل - على الأبناء المتولّدين.
- وحيث أن الدستور الكويتي في المادة 35 قد كفل حرية الاعتقاد، واعتبرها من الحريات المطلقة التي لا يجوز تقييدها، كما كفل في ذات المادة حرية ممارسة الشعائر الدينية وفرَض على الدولة حمايتها.. وإذ كانت الأحوال الشخصية جزءً أصيلاً من الشعائر الدينية، وبالتالي مما أوجب الدستور على الدولة حمايتَها، لذا كان من الضروري العمل نحو إصلاح هذا الوضع.
- بل إن بعض التداعيات الاجتماعية والشرعية الخطيرة التي أشرت لمثال منها فيما سبق، والناتجة عن الفراغين التشريعي والإداري، يمثّل تعارضاً مع المادة التاسعة من الدستور والتي تنص على أن: (الأسرة أساس المجتمع، قوامُها الدين والأخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانَها، ويقوّي أواصرها، ويحمي في ظلها الأمومة والطفولة).
- ومن هنا، تحرّك المهتمّون بهذا الشأن - منذ سبعينيات القرن العشرين - على تحقيق أمرين:
1. تنظيم قانون الأحوال الشخصية الجعفرية.
2. إنشاء دائرة خاصة بالأحوال الشخصية الجعفرية بدرجاتها الثلاث وفق القانون المنظِّم لها.
- دخل هذا المشروع في مخاض عسير، وواجه عراقيل كثيرة، إلى أن وافق مجلس الأمة يوم الإثنين الماضي – بحمد الله ومنّه - على مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفرية.
- هذا الأمر يُعدُّ إنجازاً مهمّاً يُشكَر عليه كل من تحمَّل المسئولية وساهم في تحقيقه، من علماء دين، وأعضاء مجلس الأمة، ورجال القانون، والجماهير التي طالبت وضغطت في هذا الاتجاه.
- بالطبع، هناك بعض الخطوات الإجرائية والتطويرية التي يجب انتظارها، وتحتاج إلى وقت إلى حين تنفيذها، فإقرار القانون وحده لا يعني ارتفاع كل الملاحظات فوراً، ومن بينها مشكلة طلاق الحاكم مثلاً، بل هو بمثابة الخطوة الأولى في الطريق الصحيحة.
- إننا إذ نبارك للمجتمع الكويتي إقرار قانون الأحوال الجعفرية، وإذ نتقدم بالشكر لكل من ساهم في تحقيق هذا الإنجاز التاريخي، فإننا نذكّر إخوانَنا وشركاءنا في الوطن ممن وقفوا ضد هذا المشروع بأن يقلبوا الصورة، وليفترضوا أنهم كانوا هم أصحاب المطالبة بأن تُراعى الأحكام الشرعية الخاصة بمذهبهم الفقهي، في أنكحتِهم ووصاياهم وأوقافِهم وغير ذلك، ماذا كان موقفهم؟ وكما قال علي (ع): (اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فأحبِب لغيرك ما تحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لها). أخيراً، كلمة شكر أخرى للسادة أعضاء مجلس الأمة الذين وقفوا ضد مشاركة الكويت في ما عُرف بعنوان مؤتمر البحرين للسلام الاقتصادي، ولكل القوى والأفراد الذين تحركوا في هذا الاتجاه، ولحكومة دولة الكويت التي استجابت للمطالبة الشعبية، وتحملت عواقب الضغط الدولي بعدم المشاركة، وهو موقف نُكبِرُه كما أكبرته القوى المناهضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني حول العالم، وأملُنا أن تبقى الكويت على طول الخط مع الحق والعدالة.