خطبة الجمعة 18 شوال 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: التسلّح النووي


- (معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام) معهد مكرّس للبحث في الصراعات، وقضايا التسلح.
- وقد أنُشيء في عام 1966، وهو يوفر البيانات والتحليلات والتوصيات بخصوص الصراعات وقضايا التسلح لواضعي السياسات والباحثين ووسائل الإعلام والمهتمين من العامة.
- قبل أربعة أيام، نشر هذا المعهد تقريراً مفاده أن الولايات المتحدة في بداية 2019 مع روسيا، وبريطانيا، وفرنسا، والصين، والهند، وباكستان، وإسرائيل، وكوريا الشمالية تمتلك بمجموعها نحو 13 ألفاً و865 رأساً نووياً.
- هذا الرقم أقل بنحو 600 رأس عن بداية 2018، ولكن هذا الرقم – بحسب المعهد - مخادع.
- فتخفيض العدد لا يأتي من قناعة لدى هذه الدول بضرورة التخلص من كل الأسلحة النووية، بل لوجود اتفاقية بين الولايات المتحدة وروسيا تعود لعام 2010 وتنص على إتلاف الرؤوس النووية القديمة التي تعود إلى زمن الحرب الباردة.
- والدليل على ذلك بحسب التقرير، أن هذه الدول بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا:
1ـ تولي «أهمية متزايدة» لهذه الأسلحة وتقوم بتحديث ترسانتها.
2ـ عمر الاتفاقية 10 سنوات، وستنتهي عام 2020، و بحسب الخبير الكسندر خرامتشيكين من المعهد الروسي للتحليل السياسي والعسكري: (في الواقع الحالي، ليس هناك أي أمل في التوصل إلى أي اتفاق جديد). مما سيدفع الطرفين لسباق تسلح نووي جديد.
- لو أردنا أن نناقش المسألة من ناحية شرعية مبدئية.. بعيداً عن الواقع القائم الآن.. ما هو الموقف الشرعي في الإسلام من صناعة هذه الأسلحة واستخدامها؟
- أولاً، لا شك أن الله تعالى جعل هذه الأرض أمانة بيد الإنسان – الخليفة، ومقتضى الأمانة الحفاظ عليها وعمارتها، لا تدميرها وإبادة الحياة فيها والإفساد فيها، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة:30].
- ثانياً، هناك وصايا صدرت عن النبي (ص) حينما كان يرسل المقاتلين، ومن بين ما جاء فيها كما في موثقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (ع): (إن النبي (ص) كان إذا بعث أميراً على سرية، أمره بتقوى الله عز وجلّ في خاصة نفسه، ثم في أصحابه عامة، ثم يقول: "اغزُ بسم الله وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله ولا تغدروا ولا تغلّوا وتُمثّلوا، ولا تقتلوا وليداً ولا متبتّلاً في شاهق، ولا تحرقوا النخل ولا تُغرقوه بالماء، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تحرقوا زرعاً....).
- أليس تأثير القنابل النووية يشمل هذا، بل وما هو أشد منه؟
- ثالثاً، في الخبر المعتبر عن أبي عبدالله (ع) قال: (قال أمير المؤمنين (ع): نهى رسول الله (ص) أن يُلقى السم في بلاد المشركين).
- فإذا كان إلقاء السم في بلاد المشركين محرماً، أفلا يكون استخدام ما هو أشد فتكاً وضرراً منه محرماً بطريق أولى؟
- قد يقال: ما المانع من تصنيع هذا النوع من السلاح أو اقتنائه، لا بغرض الاستخدام، بل لتحقيق حالة من توازن الرعب، وقوة ردع للعدو؟ قال تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) [الأنفال: 60].
- والجواب أن الأخطاء المحتملة في تصنيع هذا السلاح، أو التهور في استخدامه، أو وقوعه بأيدي غير أمينة يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية، مما يجعلنا نقول أن الآية السابقة من الأساس لا تشير إلى هذا النوع من القوة والردع، بل لما يُعرف بعنوان الأسلحة التقليدية، وليس كمثل الأسلحة البيولوجية والكيميائية والنووية.
- أو أن نقول أنها مشمولة بذلك الخطاب القرآني، لأنه مطلق، إلا أنه يحرم التصنيع والاستخدام وفق العنوان الثانوي، وذلك بسبب النتائج السلبية الكثيرة المحتملة.
- كان هذا من ناحية نظرية، ويبقى الكلام في الواقع القائم اليوم.. قرابة 14 ألف رأس نووي بيد 9 دول، بينها الكيان الصهيوني الذي يمثّل العدو الأول للأمة الإسلامية.. بماذا يحكم الدين والعقل في مثل هذه الحالة؟ لست هنا في وارد التشجيع أو الحث على صناعة الأسلحة النووية فضلاً عن انتشارها واستخدامها، والحكم الأولي أو الثانوي هو التحريم كما بيّنت، ولكن يفترض أيضاً بالأمة الإسلامية أن تفكِّر في اتجاهين: الاتجاه الأول هو تحقيق توازن الرعب بطريقة ما مع عدوها الصهيوني المتربص بها الدوائر، والاتجاه الثاني هو المساهمة في كل الجهود الصادقة لتخليص العالم من هذا الشر الفتاك، لتعيش البشرية بأمن وسلام، وهو ما دعت إليه دولة الكويت بوصفها عضواً في مجلس الأمن مع التأكيد على الإنفاذ الفوري والكامل لبنود معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، والاستجابة لقرارات مؤتمرات أطراف المعاهدة، معبِّرةً عن قلقها العميق إزاء استمرار عدم تحقيق تقدم في تنفيذ التزامات نزع السلاح النووي من جانب الدول النووية.