خطبة الجمعة 19 رمضان 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: الضرائب المالية

- يقول بعض الباحثين أن الضرائب المالية عُرفت منذ نشوء أول نوع من التنظيمات البشرية، وهي القبيلة. وكانت بتنظيمها البسيط بحاجة إلى الدفاع والحماية من الاعتداءات الخارجية.
- ويعتبر ما يحصل عليه رئيس أو قائد القبيلة وسيلة يستخدمها لرد الاعتداء عنها والمحافظة على كرامته وكرامة القبيلة، ولربما كان في ذلك العُرف حقاً شخصياً له بلحاظ مكانته.
- بعد ذلك ظهرت الدولة، واحتاجت إلى الضريبة كي تتمكن من القيام بمهامها.
- ثم تطور الأمر، ولم يعد الهدف من الضرائب هو الحصول على الأموال، بل أصبحت تستخدم أيضاً لتحقيق ما تصبو إليه من أهداف اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو دينية.
- فقد تسعى بعض الحكومات لنظام ضريبي معيّن بحيث يحافظ فيه المواطنون على العيش الكريم، مع منع حدوث طبقية كبيرة في ما بينهم.
- وهكذا تُفرَض الضريبة أحياناً للحد من السلع الاستهلاكية وتوجيه فوائض الدخول للادخار
وذلك بفرض ضرائب عالية على هذه السلع الاستهلاكية أو خفض سعر الفائدة على الادخار.
- ولربما فرضت لتشجيع التعامل التجاري مع دولة معينة صديقة دون غيرها، ويتم تنفيذ ذلك عن طريق الإعفاءات الجمركية وما في حكمها.
- وقد تحصل الكتب والمؤلفات الدينية على إعفاء من الضرائب غير المباشرة بهدف التشجيع على الالتزام الديني مثلاً، أو ترسيخ القيم الإيمانية التي تؤمن بها.
- ومن المعلوم أن الزكاة من الضرائب التي فرضها الإسلام، بل إن هذا التشريع سابق على الإسلام، حيث نجد في الشرائع السماوية نوعاً من الضريبة تحدّث عنها القرآن بعنوان الزكاة.
- وقد تتحد معها في بعض تفاصيل تشريعاتها كما قد تختلف.
- ففي حديثه عن النبي إبراهيم (ع)، قال تعالى: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلا جَعَلْنَا صَالِحِينَ، وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) [الأنبياء:72-73].
- وقال تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا، وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) [مريم:54-55].
- وقال تعالى بشأن الشريعة الموسوية: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ) [البقرة:83].
- وقال سبحانه بخصوص المسيح عيسى بن مريم: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) [مريم:31].
- ولكن حيث أن سمعة الضرائب المالية ليست جيدة، فلابد من الحديث عن بعض الغايات والشروط والآداب التي حفّ بها الإسلام تشريع الزكاة، وهو ما سأتحدث عنه في الخطبة الثانية بإذن الله تعالى.