خطبة الجمعة 1 رجب 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: طلقتك نفسي

- ذكرت في الخطبة الأولى أن المرأة عندما تُقدم على الزواج، فعليها أن تعي تماماً أنها تُعطي للزوج - ضمنياً - الحق الحصري بالطلاق. وذكرت أيضاً أنه لا يمكن تجاوز هذه الصلاحية المعطاة للزوج من قبلها إلا مِن قِبل الحاكم الشرعي (المجتهد العادل).. أي أنه إذا لجأت الزوجة إليه طلباً للطلاق لأسباب معيّنة، فإنه يقوم حينئذ بالتأكد من الأمر، فلو ثبت له ذلك طالب الزوج بالطلاق، فإن لم يطلّق الزوج، أجبره، فإن لم يطلّق أو لم يمكنه إجباره، قام الحاكم الشرعي بتطليقها، وهذا ما يُعرف بعنوان (طلاق الحاكم).
- وبحسب مجموعة من الفقهاء فإن الأسباب التي مِن خلالها يتدخّل الحاكم الشرعي للطلاق:
١- ما إذا امتنع الزوج من الإنفاق عليها، ومن الطلاق. ويُلحق بها ما إذا كان غير قادر على الإنفاق عليها، وامتنع مع ذلك من طلاقها.
٢- ما إذا كان يُؤذِيها ويَظلمُها ولا يُعاشرُها بالمعروف، كما أمر الله تعالى به.
٣- ما إذا هجَرها تماماً فصارت كالمُعلّقة، لا هي ذات زوج ولا هي خليّة.
- بالطبع - ضمن ظروفنا الحالية - فإنّ اللجوء إلى الحاكم الشرعي وحصول الزوجة على طلاق الحاكم يواجه عدة عقبات، تحدَّثْتُ عن بعضها مِن قبل وبالتفصيل، ومن بينها:
1. ضرورة مراعاة المسار القانوني أيضاً، لأننا لو افترضنا حصول الزوجة على الطلاق من خلال حاكم شرعي، دون المحاكم الرسمية، فإنها ستبقى زوجة بنظر القانون، ويتعقّد وضعها أكثر.
2. حالياً ليس عندنا في المحاكم في الكويت أي مجتهد يقوم بهذا الدور، ومن الناحية الفقهية، ليس من صلاحيات أي شخص سوى المجتهد أو مَن يعطيه المجتهد هذه الصلاحية أن يقوم بذلك.
- وهذا يعني أن الزوجة لو حصَلت في هذه الظروف على الطلاق من خلال المحكمة - دون رضا الزوج – فهو غير معتبر، وبنظر الشرع هي زوجة، وإن كانت من الناحية القانونية مطلقة.
3. قد يكون من الصعوبة في بعض الحالات أن تُثبت المرأة ما يستوجب طلاقها بأمر الحاكم الشرعي، بل وحتى في المحاكم الرسمية، مما يجعل هذا المسار الوحيد كالعدم.
- لعل إحدى الحلول المطروحة لتفادي هذا الوضع منذ البداية هو أن تشترط المرأة في عقد الزواج أن تكون وكيلة عن زوجها في أمرِ طلاقها، إما مُطلَقاً، أو في ظرف معيّن، وأنه لو أرجعها في عدّة الطلاق الرجعي استمرّت وكالتها في الطلاق.. أو أن تكون الوكالة لأبيها مثلاً.
- أو أن تكون وكيلة عن الزوج في خصوص الطلاق الخُلعي، مع وكالة في قبول بذل الخلع.
- وحيث أنها جَعلت الوكالة ضمن عقد الزواج، فلن يستطيع الزوج عزلها منه.. دون أن تسلبه الوكالة الحق في أن يطلّقها لو شاء ذلك.
- في هذه الحالة لا تحتاج الزوجة للجوء إلى حاكم شرعي، ويمكنها بهذه الوكالة أن تطلّق نفسها في المحاكم الرسمية لو شاءت ضمن الشروط المعتبرة للطلاق، من حضور شاهدين عدلين وغير ذلك، ويكون طلاقها نافذاً شرعاً وقانوناً، وبمسار زمني قصير دون تعقيدات.
- ولكن أودّ هنا أن أنبّه إلى أمرين:
1. هذا الأمر غير مألوف، وقد يكون بنظر الرجل المقبل على الزواج - أو والديه – أمراً غير مقبول ومحرج، وقد نلاقي عند يطرح هذا الأمر رفضاً من قبلهم واحتجاجاً عنيفاً.. بينما هو من وجهة نظر البنت – ووالديها - أمر إيجابي ومحمود، ونُشكَر على طرحه.
- وهنا أذكّر إخواني الأعزاء بكلمة أمير المؤمنين (ع) إذ روي أنه قال للحسن (ع): (يا بُنيّ، اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فأحبِب لغيرك ما تحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لها).. تخيّل أن هذه الفتاة ابنتك، والصورة معكوسة، أمَا كنت تحب أن تَتّخذ من الإجراءات ما يضمن سعادتها في المستقبل أو يقلل من الضرر اللاحق بها؟
2. هذه القضية ذات بُعد اجتماعي ومرتبطة بنفوس الناس وأمزجتهم وأهوائهم أيضاً، وبكل وضوح أقول أننا لا نملك دليلاً عملياً على أن هذا الإجراء يمثّل حلاً يعالج مشكلة اجتماعية دون سلبيات، فالمسألة ستكون في بعض الحالات عُرضة لقرار مستعجل وانفعالي وغير مدروس من قبل الزوجة، وقد يكون اتباعاً لهوى، وغير ذلك، تماماً كما هو الحال لو كان الطلاق بيد الزوج وحده.
- ما أتمناه، هو التفكير بجدّية في مُقترح اشتراط الزوجة أن تكون وكيلةً عن الزوج في طلاق نفسها، ودراسته من النواحي المختلفة، الشرعية والقانونية والاجتماعية، وإحكام أمرِه، ولربما نحن بحاجة إلى عقد بعض الحلقات النقاشية الجادة التي يشترك فيها أولياء الأمور والشباب من الجنسين وبعض من علماء الدين ورجال القانون والمختصين في علم الاجتماع وعلم النفس للخروج بتصوّر عملي حوله، فقد يكون فيه خلاصٌ من معاناةٍ متكررة تزدحم بها أروقة محاكمنا.