خطبة الجمعة 28 ربيع الثاني 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: لماذا لم يُلزم الرجل بالحجاب؟


- لماذا أُلزمت المرأة في الشريعة الإسلامية بالحجاب دون الرجل؟ فكلاهما فتنة للآخر.
- في البدء لابد مِن توضيحٍ يخصّ مصطلح الحجاب، وهو أن القرآن الكريم لم يستعمل هذا المصطلح عند الحديث عن طبيعة أو حدود اللباس الشرعي للمرأة.
- في القرآن الكريم عندنا آية تخص نساء النبي (ص)، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ..... وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ) أي نساء النبي (مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) [الأحزاب:53].
- هذه الآية تخص نساء النبي (ص) بأن يتم تعامل المؤمنين معهن من وراء ساتر، وذلك لمزيد من الحيطة حفظاً لسمعة هذا البيت، ودرءً لأيّة شبهة.. وقد بينت الآية 32 من السورة ذلك حيث قال سبحانه: (يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء) أي لنساء النبي (ص) وضع خاص، يستدعي مجموعة من الأحكام والإجراءات التي بيّنتها الآيات لاحقاً.
- أما عموم المؤمنات، فتكليفهن كما في الآية 31 من سورة النور فكالتالي:
1. (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ) هذا تكليف يرتبط بطبيعة السلوك حيث لا يكفي أن تلتزم المرأة بكيفية معيّنة مِن اللباس.
2. (وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) وهذا تكليف آخر مرتبط أيضاً بالسلوك وترتبط بالعلاقة الغرائزية مع الرجل والتي يجب أن تكون ضمن إطار الزواج.
3. (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) وهذا تكليف ثالث يرتبط بالمظهر الخارجي.
- فمِن طبيعة المرأة أن تضع الحلي بأنواعها، وقسم منها يكون في المواضع المكشوفة حين تخرج من البيت، كالخاتم في الإصبع، وهذا مما يجوز إظهاره.. وأما القرط والخلخال والقلادة مثلاً فمكان وضعها يكون بالأجزاء المستورة من جسدها، وهذه لا يجوز إظهارها أمام الرجال من غير المحارم.
4. (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) وهذا تكليف رابع يرتبط بكيفية اللباس الشرعي، إذ لا يكفي للمرأة أن تُغطّي رأسها وتكشف رقبتها والجزء العلوي من صدرها، كما كان هو المعتاد قبل نزول الآية، بل لابد مِن ستر هذه المناطق أيضاً، كما يجب ستر ما عليها من حُليّ وزينة.
5. (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) أي التي أُمرن بسترها كالأقراط، ومواضعها من الجسد: (إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء) وهذا استثناء من الحكم الكلي السابق.
6. (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ) وهذا تكليف خامس يرتبط بالسلوك.
- قد يقول قائل: ولماذا تُكلَّف المرأة بكل هذا، ولا يُكلَّف الرجل بشيء؟ لماذ نُلزِم المرأة بلباس خاص، ولا نقول للرجل كفّ بصرَك ولا تنظر؟
- هذا الإشكال غير سليم، فالبداية كانت بتقديم التشريعات الخاصة بالرجل، وذلك في الآية 30 من نفس السورة: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) ثم قال تعالى: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ....) إلخ.
- نعود الآن إلى السؤال بعد تصحيحه: لماذا أُلزمت المرأة في الشريعة الإسلامية باللباس الشرعي دون الرجل؟
1. الله هو خالق الذكر والأنثى، وهو أعلم في تشريعاته بما يصلح لهما على المستوى الفردي والعام، وهذا التشريع ليس اجتهادياً - من عند الفقهاء مثلاً – كي نقول بأنه صناعة بشرية، بل هو في قرآن كريم نازل من عند رب العالمين.
2. يريد الله للعلاقة بين الجنسين خارج إطار الزوجية أن تكون علاقة إنسانية بعيدة عن الغرائزية.. ومن هنا فهو يسعى من خلال تشريعات غض البصر، وحفظ الفرج، وستر الزينة،
واللباس أن يقترب بالمؤمنين من تلك الحالة التي تتجلّى فيها الطهارة النفسية والفكرية والسلوكية.
3. غالبية الرجال أوّل ما يلفت انتباههم ويجذبهم إلى المرأة شكلها.. مظهرها.. جسدها.. جمالها.. وقليل منهم الذي يجعل من صفاتها الأخرى كالعقل والتحصيل العلمي والصفات النفسية، والأخلاقية، والدينية، العنصر الأول في الجذب.
- أما غالبية النساء فتتّجه أنظارهن أوّلاً إلى شخصية الرجل وخصاله ومكانته الاجتماعية وأمثال ذلك.. دون أن ننفي الانجذاب إلى الشكل، لكنّه ليس العنصر الأبرز.
4. النقطة السابقة توضِّح لماذا اعتُبر جسد المرأة على مرّ العصور هو مصدر الإثارة الغريزية، وهو ما استدعى أن يكون تشريع اللباس خاصاً بها دون الرجل.
- جاء في مقال تحليلي للإعلانات الصادرة منذ سنة 2006 إلى 2016 بقلم (كاتي ريتشاردز) على موقع (ADWEEK) المختص بشؤون الإعلانات حول سوء استغلال المرأة ما يلي:
- عندما يتعلق الإعلان بالذكاء، فإنّ الرجال أكثر ظهوراً من النساء وبنسبة 89 %.
- أما عندما يتعلّق الأمر بالثياب المثيرة جنسياً، فظهور المرأة فيها يفوق الرجل بستة أضعاف.
- إنّ اللباس الشرعي للمرأة مِن أبرز مفردات هويّتها الإسلامية، ويأتي ضمن مجموعة من التشريعات الموجّهة إليها بغرض تحقيق مستوىً مِن طهارة وعفّة المجتمع في سلوكياته المرتبطة بالعلاقة بين الجنسين، تماماً كما شَرّع الإسلام للرجل مجموعة من الالتزامات التي تُكامِل هذه الطهارة المطلوبة.. وهي لا تأتي لسلب المرأة حرّيتها في الحياة، ولا للحَجر عليها وكبت طاقاتها الإبداعية.. والواقع العملي الذي نعيشه اليوم ونحن نشاهد فتياتنا الملتزمات بالزي الشرعي وقد انطلقن بإبداعاتهن الفكرية والعملية والأدبية والفنية في كل المجالات خيرُ شاهدٍ على هذه الحقيقة، إذ ليس المطلوب أن يُحجَرَ على المرأة وأن تحتجِب عن الحياة، بل أن تلتزم اللباس الشرعي في ضمن التزام شقيقِها الرجل عفّةَ النظر والسلوك.