خطبة الجمعة 28 ربيع الثاني 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: الجيرة - 3


- في الأسبوع الماضي في التعليق على بعض ما جاء في دعاء الإمام زين العابدين (ع) (لجيرانه وأوليائه إذا ذكرهم) وصلنا إلى هذا المقطع: (واجْعَلْنِي اللَّهُمَّ أَجْزِي بِالإحْسَانِ مُسِيْئَهُمْ، وَأُعْرِضُ بِالتَّجَاوُزِ عَنْ ظَالِمِهِمْ).. ثم يُكمل الإمام (ع) قائلاً:
- (وَأَسْتَعْمِلْ حُسْنَ الظّنِّ فِي كَافَّتِهِمْ، وَأَتَوَلَّى بِالْبِرِّ عَامَّتَهُمْ) لاحظ التأكيد على الشمولية في طريقة التعامل مع الجيران، بغضّ النظر عن أديانِهم ومذاهبِهم وانتماءاتهم العرقية والقومية والوطنية وغير ذلك.
- وهذا يتناغم مع قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) [الحجرات:13].
- لا تُحسن الظن ببعض الجيران بلحاظ أنهم يشاركونك ذات الانتماء، بينما تسيء الظن بسائر الجيران بلحاظ اختلاف الانتماء.. اجعل للجميع مسطرة واحدة في حسن الظن.
- لعل منطلق هذا التمييز الذي يمارسه البعض بحق جيرانه يعود إلى الأحكام الجماعية المعلّبة الجاهزة التي يُطلقها قَبل التعامل مع الآخرين.
- وإذا كنتَ لا تتقبّل جارك نفسياً لأنه من التصنيف المذهبي أو القبلي أو القومي الكذائي، فهذا سيكون أوّل خطوة نحو سوء العلاقة بالجار ومخالفة الوصايا الإلهية والنبوية في هذا الإطار.
- فليكن برّك بكل الجيران، بغض النظر عن تمايزاتهم.
- ثم ينبّه الإمام (ع) إلى دوافع السلوكيات الإيجابية تجاه الجيران: (وَأَغُضُّ بَصَرِي عَنْهُمْ عِفَّةً، وَألِينُ جَانِبِيْ لَهُمْ تَوَاضُعاً، وَأَرِقُّ عَلَى أَهْلِ الْبَلاءِ مِنْهُمْ رَحْمَةً، وَأسِرُّ لَهُمْ بِالْغَيْبِ مَوَدَّةً، وَأُحِبُّ بَقَاءَ النِّعْمَةِ عِنْدَهُمْ نُصْحاً، وَأُوجِبُ لَهُمْ مَا أُوجِبُ لِحَامَّتِي) لعشيرتي وقومي (وَأَرْعَى لَهُمْ مَا أَرْعَى لِخَاصَّتِي) من أهلي القريبين منّي نسباً.. ولنلاحظ أن كل جملة اشتملت على بيان الدافع.
- كل السلوكيات الإيجابية السابقة قابلة أن تكون صادرة بنوايا غير صادقة ولا مخلصة.
- البعض يريد النزول في انتخابات الجمعيات التعاونية مثلاً أو المجلس البلدي وأمثال ذلك، فتجد سلوكياته مع جيرانه في المفردات السابقة مِن أروع ما يكون.. مِن أكثر الناس تعاوناً ونُصحاً ومساعدةً وبشاشة وجه وتواصلاً ووو.
- ومتى ما أفلس من الانتخابات أو اكتفى منها، عاد إلى شخصيّته الحقيقية.. (الجهاز مغلق أو خارج نطاق التغطية، يرجى عدم الاتصال في وقت لاحق).
- ثم يدعو الإمام بأن يُعامَل بالمثل من قبل جيرانه، لأن التعامل الإيجابي من طرف واحد مُتعِب، ولربما صار سبباً للقطيعة في المستقبل، أو العداء، أو مواجهة الإساءة بالإساءة وأمثال ذلك مما لا يتمنّاه المرء في علاقته بمحيطه ويتأمّل فيه الاستقرار والراحة النفسية.
- إذا سافر لم يقلق مما قد يحدث لبيته بوجود جيرانه الذين يعتبرون بيتَه أمانة لديهم.. يحفظونه كما يحفظون بيوتَهم، ويرعون حُرمةَ أهله وعيالِه كما يُحبّون أن يرعى هو حُرمة أهلِهم وعيالهم.
- (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمِّد وَآلِهِ، وَارْزُقْنِي مِثْلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَاجْعَلْ لِي أَوْفَى الْحُظُوظِ فِيمَا عِنْدَهُمْ، وَزِدْهُمْ بَصِيْرَةً فِي حَقِّي، وَمَعْرِفَةً بِفَضْلِي، حَتَّى يَسْعَدُوا بِي وَأَسْعَدَ بِهِمْ آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ).. وهكذا تكون الحياة في هذا المحيط أجمل وأوفق بالطبيعة الاجتماعية للإنسان، لتتحقق في هذه الحياة صورة مصغّرة عمّا يمكن أن تكون عليه أجواء الجنة في الآخرة.