خطبة الجمعة 22 ربيع الأول 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: المرحلة الإسرائيلية

ـــــ في السنوات الأخيرة، جرى الحديث عن قرب دخول العالم العربي إلى (المرحلة الإسرائيلية).. ومؤخّراً تحدّث بعض المفكرين والمحللين السياسيين عن بدء هذه المرحلة فعلياً.. وحتى ندرك معنى هذا، نحتاج إلى العودة إلى الوراء قليلاً.
ــــ بين عامي 1935و1936 دخلت الأراضي الفلسطينية أجواء الثورة على المهاجرين اليهود المتدفقين من أنحاء العالم إلى الأراضي الفلسطينية، والمحمَّلين بشحنات السلاح.
ــــ بدأت الثورة بالإضراب العام، فسارعت وزارة المستعمرات البريطانية إلى إصدار بيان أعلنت فيه أنها تدرس بشكل جاد إجراء تغييرات دستورية لمعالجة الوضع.. ولم يحصل شيء.
ــــ وفي 15 أبريل عام 1936 تمّ الإعلان عن إضراب مفتوح إلى أن تُغيِّر الحكومة البريطانية موقفها من مسألتي هجرة اليهود وبيع الأراضي، باعتبار أن فلسطين تحت الانتداب البريطاني.. ثم تطوّر الأمر إلى اشتباك بالسلاح بين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود.
ــــ هذا الحِراك الفلسطيني استقطب أعداداً مِن المجاهدين مِن سوريا والعراق، وبعد ثلاثة أشهر من الشلل الذي أصاب الحياة في فلسطين، وسقوط عشرات القتلى من الجانبين، أعلنت الحكومة البريطانية عزمَها تأليف لجنة ملَكية للنظر في مطالب العرب وظُلاماتِهم.
ـــــ حينها، تدخلت بعض القيادات العربية في أكثر من محاولة، وقدّمت ضمانات للفلسطينيين، بشرط عودة الهدوء.. فتمّ إنهاء الإضراب في 11 أكتوبر من سنة 1936، بناءً على هذه الوساطات ووعود الحكومة البريطانية (بتحقيق العدل).
ـــــ وفعلاً، أعلنت اللجنة الملكية أنها ستتوجه إلى فلسطين خلال أيام كي تبحث عن (تسوية عادلة ودائمة).
ــــ ومنذ 1936، وما زال الفلسطينيون والعرب والمسلمون ينتظرون إلى هذه اللحظة تلك (التسوية العادلة والدائمة).
ــــ في عام 1948 تم احتلال أربعة أخماس فلسطين، وتم خلالها طرد ثلثي الفلسطينيين من بلادهم.. ثم في 1967 تم احتلال ما تبقى من الأرض الفلسطينية.
ــــ وفي أعقاب اتفاق أوسلو 1991، انسحب الاحتلال من بعض الأراضي، لينفرز عنه المشهد الفلسطيني الذي نشهده اليوم: حكومة في غزة، وأخرى في بعض نواحي الضفة الغربية.
ــــ قبل 9 سنوات، كتب أحد المحللين السياسيين في صحيفة (هاآرتس) الإسرائيلية أن بعض الدول العربية تعيش على حافة الهاوية، لذلك فإن: (إسرائيل إذا نجحت في أن تُلقي لهم جسر الحبال الصحيح، فسوف يغتبطون... وأنّ على طاولة نتانياهو خططاً مثيرة للاهتمام تسعى لتغيير وجه الشرق الأوسط).
ــــ اليوم، تصريحات نتنياهو حول نيته زيارة عواصم عربية، تُعدّ أمراً مقلقاً لكل مَن يَعرف ماذا يعني أن تجد إسرائيل لنفسها موطيء قدم راسخ في المنطقة.. لا سيما في دول الخليج.
ــــ إذا استطاعت إسرائيل أن تُطبّع علاقتها مع هذه الدول، وأن تتحرّك في المنطقة كما تشاء، فإنها لن تجلب لها إلا الدمار، وسيتحكّم الكيان الصهيوني بطرقه المعهودة في المنطقة، ويفرض سياساته ومصالحه بشكل غير مسبوق، وستصبح له الكلمة الأولى والأخيرة، وسيكون هو سيّد المشهد بلا منازع.. هذه هي طبيعة (المرحلة الإسرائيلية).
ــــ وحينها، فإن الصهاينة لن يرتاحوا قبل أن يعيثوا في هذه المنطقة فساداً وفتناً وإعمالاً لكل سبل السيطرة على خيراتها، بطريقة أو بأخرى، وإن لم يتمكّنوا من ذلك فلن يهدأ لهم بال إلا بتدميرها.
ـــ هل كان يتخيّل أحدٌ ـــ قبل خمسين سنة ـــ أنّ الدور العربي الذي كان الذراع السياسي للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي في الخمسينيات والستينيات، سيُوظّف في يومٍ ما ليكون ذراعَ إسنادٍ للإسرائيليين في مشروعهم القاضي بتصفية القضية الفلسطينية أوّلاً، وفي إدخال المنطقة في (المرحلة الإسرائيلية) التي بتنا نرى بعضَ ملامحِها المتشكّلة بصورة متسارعة؟ وإن كانت الكويت على المستويين الرسمي والشعبي ـــ وعلى الرغم من الضغوطات المختلفة ـــ قد صمدت طوال المدة الماضية في وجه العبث الصهيوني، إلا أنها مطالبَة اليوم أكثرَ من أي وقت مضى بالمزيد من الوعي لحقيقة ما يجري، وبالصمود في وجه كل الضغوطات والإغراءات على حساب مواقفها المبدئية، وألّا تنزلق إلى هاوية (المرحلة الإسرائيلية)، لأنّ الذين يسارعون في كسب ولاء الصهاينة لن يحصدوا إلا الندم.