ذكر الله تعالى ـ مقالة للحاج عمار كاظم

الحمد لله كما حمده الحامدون وذكره الذاكرون الذين وفوا بجهدهم مع الله تعالى فاندكت ذواتهم خشية منه واستقامت طريقتهم طاعة له وعلت نفوسهم وصفت بكثرة الإنابة إليه ودوام الاستغفار.. الذاكرون الحافظون الذين امتلأت نفوسهم بحقيقة وجود البارىء عز وجل، والتي تسبّح بحمده وتقدسه وتعكف على طاعته ولزوم عبادته فهم دائمو الذكر لله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (لأعراف:201) .
أولئك الذين أنساهم حبُّ الله أنفسَهم فتوجه كل وعي وشعور فيهم نحو المعبود ونحو عظمة محبوبهم فلم يكن ذكرهم لله عز وجل مجرد لقلقة لسان ولا ترديد عبارات بل عن تذكر ومعرفة ووعي لمصداقية الذكر. فالقلوب الوالهة ترى الله تبارك وتعالى معها في كل عمل وتحس بوجوده في كل آن ومكان تعيش فيه (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28).
مشاعر الحب الإلهى وذكر الله تعالى ترسخ علاقة الحب والود بين الإنسان وخالقه فينشغل العبد بذكر ربه بحب متبادل ورابطة وفاء بين العبد وربه (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (البقرة:152).
فالذاكر لا ينسى ربه أبداً ولا يغيب عن وجوده فإذا حصل على نعمة قال الحمد لله رب العالمين.. وإذا رأى شيئاً جميلاً قال تبارك الله أحسن الخالقين.. وإذا أصابته مصيبة قال إنا لله وإنا إليه راجعون.. وإذا عجز عن شئ قال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. وإذا أقدم على فعل شئ قال أتوكل على الله العزيز الحكيم.. وإذا فاته شئ قال حسبي الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير.
ولنعش الذكر مع الإمام زين العابدين عليه السلام وهو يردد في مناجاته: (إلهي لولا الواجب من قبول أمرك لنزهتك من ذكري إياك، على أن ذكري لك بقدري لا بقدرك، وما عسى أن يبلغ مقداري حتى أجعل محلاً لتقديسك، ومن أعظم النعم علينا جريان ذكرك على ألسنتنا، وإذنك لنا بدعائك وتنزيهك وتسبيحك، إلهي فألهمنا ذكرك في الخلاء والملاء، والليل والنهار، والإعلان والإسرار، وفي السراء والضراء، وآنسنا بالذكر الخفي، واستعملنا بالعمل الزكي، والسعي المرضي، وجازنا بالميزان الوفي.
إلهي بك هامت القلوب الوالهة، وعلى معرفتك جمعت العقول المتباينة، فلا تطمئن القلوب إلا بذكرك، ولا تسكن النفوس إلا عند رؤياك، أنت المسبَّح في كل مكان، والمعبود في كل زمان، والموجود في كل أوان، والمدعو بكل لسان، المعظم في كل جنان، واستغفرك من كل لذة بغير ذكرك، ومن كل راحة بغير أنسك، ومن كل سرور بغير قربك، ومن كل شغل بغير طاعتك.
إلهي أنت قلت وقولك الحق (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) ، وقلت وقولك الحق (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) فأمرتنا بذكرك، ووعدتنا عليه أن تذكرنا تشريفاً لنا وتفخيماً وإعظاماً، وها نحن ذاكروك كما أمرتنا، فانجز لنا ما وعدتنا، يا ذاكر الذاكرين، ويا أرحم الراحمين).