ولايقبل منها شفاعة ـ مقالة للشيخ علي حسن غلوم

قال تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) البقرة:48.. هل تتعارض هذه الآية مع اعتقادنا بالشفاعة، وهو اعتقاد نابع من نصوص أخرى قرآنية وبعض الأحاديث المشهورة عن النبي وآله عليهم السلام، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ادخرتُ شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)؟
شفاعة الآخرة:
بدايةً لابد من التنبيه إلى أن موضوعنا يتعلق بالآيات التي تحدثت عن الشفاعة في الآخرة، وهي إنما تكون في آخر موقف من مواقف يوم القيامة، قال العلامة الطباطبائي: (فالآيات دالة على توصيف مَن تناله الشفاعة و مَن يُحرَم منها، غير أنها تدل على أن الشفاعة إنما تنفع في الفك عن هذه الرهانة و الإقامة و الخلود في سجن النار، و أما ما يتقدم عليه من أهوال يوم القيامة وعظائمها فلا دليل على وقوع شفاعة فيها، لو لم تدل الآية على انحصار الشفاعة في الخلاص من رهانة النار.. فتحصّل أن المتحصَّل من أمر الشفاعة وقوعها في آخر موقف من مواقف يوم القيامة باستيهاب المغفرة بالمنع عن دخول النار، أو إخراج بعضِ مَن كان داخلا فيها، باتساع الرحمة أو ظهور الكرامة).
ثلاثة أقسام:
ويمكن تقسيم الآيات القرآنية التي تحدثت عن الشفاعة في الآخرة إلى ثلاثة أقسام:
1. الآيات النافية لوقوع الشفاعة، كالآية السابقة.
2. الآيات التي تثبت الشفاعة لله وحده، قال تعالى (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً) الزمر: من الآية44. 3. الآيات التي تثبت الشفاعة لغير الله تعالى بإذنه وارتضائه، كقوله سبحانه (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) طـه:109. فالآيات من القسم الثاني تُثبت الشفاعة لله وحده لا شريك له بنحو الأصالة، فلا تتنافى بالتالي مع الآيات من القسم الثالث التي تثبتها لغيره سبحانه، لأنها شفاعة بالإذن الإلهي وليست بالأصالة.
وأما الآيات التي تنفي الشفاعة في يوم القيامة فقد قال فيها بعض المفسرين أنها جاءت لتنفي الشفاعة على نحو الاستقلال وبدون الإذن الإلهي، لا مطلق الشفاعة.. إلا أن الآية لربما في صدد نفي الفهم الخاطئ السائد في ذلك الزمان، والذي يسود في أذهان البعض اليوم، وخلاصته: أن البعض يتصور أن قضية الشفاعة قضية شخصية، فإذا أتيتُ بعمل إيجابي تجاه من أرجو شفاعته، فإني سأحمّله جميلاً يدعوه ـ استحياءً ـ في يوم القيامة إلى أن يشفع لي، فكيف يردّني ـ حينذاك ـ وأنا الذي ذكرته في الدنيا وأحسنت إليه؟! وهذا الجميل قد يكون من قبيل زيارة مرقده أو إقامة مجلس ديني باسمه أو التصدق باسمه ونيابة عنه.
فهم خاطئ:
فكأن الآيات تقول: هذه ذهنية من يتعامل مع الملوك وليس مع الله ومع الشافعين، لأن ـ وفق المنظور القرآني ـ علاقتنا بالشفعاء ليست شخصية، بل قائمة على أساس الدين، فمتى ما كان الإنسان مؤمناً مستقيماً صالحاً، فعندها يستحق أن يُشفع له في بعض ذنوبه الكبيرة التي لم تُمح من سجل أعماله، لا أن يأتي الإنسان بما شاء من فواحش ومعاصي وموبقات، ثم ينتظر شفاعة الشافعين لأنه يحبهم، أو لأنه أتى بعمل خير باسمهم.
ولذا قال تعالى (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى)(الانبياء: من الآية28) وفسرها الإمام الرضا عليه السلام حيث قال: (إلا لمن ارتضى الله دينه). أي على الإنسان أن يهيئ الأرضية والمقدمات بالإيمان والتقوى والعمل الصالح أولاً، ومن ثم يرجو شفاعة الشافعين.
الصلوات الشعبانية:
وفي الصلوات الشعبانية المروية عن الإمام زين العابدين عليه السلام ما يدل على الارتباط الوثيق بين الأمرين: (اللهم وَهذا شَهْرُ نَبِيِّكَ سَيِّدِ رُسُلِكَ، شَعْبانُ الَّذي حَفَفْتَهُ مِنْكَ بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوانِ، الَّذي كانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَدْأبُ في صِيامِه وَقِيامِه في لَياليهِ وَأيّامِه نُجوعاً لَكَ في إكْرامِه وَإعْظامِه إلى مَحَلِّ حِمامِهِ، اللّهُمَّ فَأعِنّا عَلَى الاسْتِنانِ بِسُنَّتِه فيهِ، وَنَيْلِ الشَّفاعَةِ لَدَيْهِ، اللّهُمَّ وَاجْعَلْهُ لي شَفيعاً مُشَفَّعاً وَطَريقاً إلَيْكَ مَهيعاً، وَاجْعَلْني لَهُ مُتَّبِعاً حَتّى ألْقاكَ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَنّي راضِياً، وَ عَنْ ذُنُوبي غاضِياً، قَدْ أوْجَبْتَ لي مِنْكَ الرَّحْمَةَ وَالرِّضْوانَ، وَأنْزَلْتَني دارَ الْقَرارِ وَمَحَلَّ الأخْيارِ).
نشرت في جريدة الوطن الكويتية بتاريخ 8 أغسطس 2009