خطبة الجمعة 6 شعبان 1437: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: دعاء دفع كيد الأعداء


ـ من دعاء الإمام زين العابدين(ع) في دفع كيد الأعداء وردّ بأسهم: (وَكَمْ مِنْ حَاسِد قَدْ شَرِقَ بِي بِغُصَّتِهِ)
ـ يعيش الإنسان في هذه الحياة صوراً من الصراع والإساءة الصادرة عن الآخرين، قد تكون أحياناً من أقرب الناس إليه، أو تصدر عمّن لم يكن يتوقع أن يصدر منهم تجاهه مثل هذا الشر، لأنه قد أحسن إليهم من قبل، ومع هذا لم يتورّعوا عن أن يسيئوا إليه بالفعل أو القول.
ـ وقد قدّم لنا القرآن الكريم نموذج ابني آدم ليكون ماثلاً أمامنا، لا لكي نسيء الظن بالآخرين، وبأقرب الناس إلينا، بل لكي ندرك أن هذا جزء من طبيعة هذه الحياة، بما فيها من تنافس وحب الذات، فلا نعيش الصدمة الكبيرة في ما لو ابتُلينا بمثل هذا الشر الصادر عن أقرب الناس، والمنطلق من حالة الحسد المدمرة، ولنعرف كيف نتصرف فيما لو عشنا مثل هذه الحالة.
ـ يبدأ الإمام(ع) بوصف حالة الحاسد، ومشكلته لا تتوقف عند حد الحالة النفسية التي يعيشها، بل في الحالة العدوانية التي تستتبع تلك الحالة النفسية، إلى الحد الذي قد يرتكب معها جريمة كبرى كجريمة قابيل بحق هابيل: (وَكَمْ مِنْ حَاسِد قَدْ شَرِقَ بِي بِغُصَّتِهِ، وَشَجِيَ مِنِّي بِغَيْظِهِ) الشجى: كل ما اعترض في الحلق، فالنار مستعرة في داخله تغلي كالمرجل، وتطلق حممها التي وكأنها ترتفع إلى الحلق باحثةً عن منفذ للتنفيس، فانطلق لسانه بالظلم بصور مختلفة: (وَسَلَقَنِي بِحَدِّ لِسَانِهِ) كلمات نابية وهجوم عنيف وسباب ولعنات
ـ (وَوَحِرَنِي بِقَرْفِ عُيُوبِهِ) فقد اشتد غيظُه علي، لا لأنني فعلت قبيحاً تجاهه، بل بسبب نفسيته المعقدة وأنانيته الشديدة وسائر ما فيه من عيوب تدفعه إلى هذا الحسد المتنامي.
ـ (وَجَعَلَ عِرْضِيْ غَرَضاً لِمَرَامِيهِ) لأنه يدرك أن أشد ما يمكن أن يؤلمني نفسياً هو التعرض لمسألة الأعراض والجتمع الذي لا يتورع عن الخوض في عرض النبي(ص) لا يتورع عن الخوض في عرض مَن هم دونه.
ـ (وَقَلَّدَنِي خِلاَلاً لَمْ تَزَلْ فِيهِ) وأنا بريء من هذه الاتهامات والصفات التي يتصف هو بها، ويعكسها علي.
ـ (وَوَحِرَنِي بِكَيْدِهِ، وَقَصَدَنِي بِمَكِيدَتِهِ) فأشعر بالضعف أمام كل هذا، ولا أجد ملجأ أستمد منه القوة سواك:
ـ (فَنَادَيْتُكَ يَا إلهِي مُسْتَغِيْثاً بِكَ، وَاثِقاً بِسُرْعَةِ إجَابَتِكَ، عَالِماً أَنَّهُ لاَ يُضْطَهَدُ مَنْ آوى إلَى ظِلِّ كَنَفِكَ، وَلاَ يَفْزَعُ مَنْ لَجَأَ إلَى مَعْقِل انْتِصَارِكَ، فَحَصَّنْتَنِي مِنْ بَأْسِهِ بِقُدْرَتِكَ) ثقة كبرى بالله، فهو القوي العزيز.. وهل نملك نحن فعلاً مثل هذه الثقة بالله؟ أم نسمح ببعض الأوهام أن تُضعف ثقتنا به؟ لا تسمحوا لأي أحد أن يعبث بإيمانكم بالله، وثقتكم بالله، وارتباطكم بالله.. بأي عنوان، وبأي تبرير.
ـ (وَكَمْ مِنْ سَحَائِبِ مَكْرُوه جَلَّيْتَهَا عَنِّي) وإنني أستذكر في هذه اللحظات أفضالك ونعمك علي.. هذا هو تاريخ علاقتي بك في الظروف الصعبة التي مررت بها في حياتي.. فلماذا النسيان والتناسي؟ (وَسَحَائِبِ نِعَمٍ أَمْطَرْتَهَا عَلَيَّ، وَجَدَاوِلِ رَحْمَةٍ نَشَرْتَهَا، وَعَافِيَةٍ أَلْبَسْتَهَا، وَأَعْيُنِ أَحدَاث طَمَسْتَهَا، وَغَواشي كُرُبَات كَشَفْتَهَا. وَكَمْ مِنْ ظَنٍّ حَسَن حَقَّقْتَ، وَعَدَمٍ جَبَرْتَ، وَصَرْعَةٍ أَنْعَشْتَ، وَمَسْكَنَةٍ حَوَّلْتَ، كُلُّ ذَلِكَ إنْعَامَاً وَتَطَوُّلاً مِنْكَ).
ـ وهل منعك عن ذلك أنني عبد عاص، أتوب وأعود لما تبت منه؟ كلا.. وليست هذه دعوة للجرأة، ولكنها دعوة للأمل (وَفِي جَمِيعِهِ انْهِمَاكاً مِنِّي عَلَى مَعَاصِيْكَ، لَمْ تَمْنَعْكَ إساءَتِي عَنْ إتْمَامِ إحْسَانِكَ).
ـ إن الدعاء ـ في مدرسة الإمام زين العابدين(ع) وفي مدرسة الإسلام ككل ـ يعمل على ربط الإنسان بالقوة الإلهية المطلقة، ليتماسك ويتوازن في مواجهة تحديات الحياة وصعوباتها، في أزماتها وشدائدها، دون أن ينسى عناصر القوة الذاتية التي أودعها الله فيه، وفي ما حوله، مما يمكن له أن يوظّفه لتسخير أموره، وحل مشكلاته، مع إيمانٍ بأن االله لن يخذله، وأنه سيمدّه بالقوة التي يحتاجها عندما تضعف قوته.