خطبة الجمعة 29 رجب 1437: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: بين كثرة الشك والوسواس


ـ في القرآن الكريم حديث عن الوسواس، ولكنه لا يخص مرض الوسواس القهري الذي يصيب الناس وفق المفهوم العلمي والعرفي الدارج، والمرتبط بحالة مرضية نفسية وعقلية.
ـ كما أن البعض يخلط بين كثرة الشك وبين الوسواس، وهذا خطأ آخر. فكثرة الشك قد تكون:
1ـ لعدم التركيز نتيجة أفكار تتوالى بفعل حديث النفس أو الإلقاءات الشيطانية دون أن تصل إلى حد مرضي.
2ـ نتيجة للهزات النفسية الطارئة لدى الفرد.
ـ فهي حالات مؤقتة وذات تأثير بسيط. نعم قد تتطور نتيجة عوامل وراثية أو بيئية أو نفسية لتتحول إلى مرض الوسواس القهري... ولكل منهما معالجة مختلفة من عدة نواحي.
ـ ولذا فرّق الفقهاء بين حكم كثير الشك والوسواسي، وغالبية الأحاديث تعالج كثرة الشك لا الوسواس القهري.
مثال1ـ عن رسول الله (ص) لرجل أخبره عن نفاقه: (والله ما نافقت ولو نافقت ما أتيتني، تعلمني ما الذي رابك، أظن العدو الحاضر أتاك فقال لك: مَن خلقك؟ فقلت: الله خلقني، فقال لك: من خلق الله؟ قال: إي والذي بعثك بالحق لكان كذا. فقال: إن الشيطان أتاكم من قِبل الأعمال فلم يقوَ عليكم، فأتاكم من هذا الوجه لكي يستزلكم، فإذا كان كذلك فليذكر أحدُكم الله وحدَه). ( معالجة معرفية + ذكر الله لترسيخ العقيدة).
مثال2ـ عن الإمام جعفر الصادق (ع) ـ لما سئل عن كثرة شك الرجل في عدد الركعات: (لا تعوِّدوا الخبيث من أنفسكم بنقض الصلاة فتُطمعوه، فإن الشيطان خبيث يعتاد لما عُوِّد، فليمض أحدكم في الوهم، ولا يكثرنّ نقض الصلاة، فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك... إنما يريد الخبيث أن يُطاع، فإذا عُصي لم يعد إلى أحدكم). (معالجة عملية). وهذا ما يُطلق عليه علمياً: (أسلوب منع الاستجابة).
ـ إذاً يمكن معالجة كثرة الشك أحياناً بطرق بسيطة، ولكن هذا شئ، والوسواس القهري شئ آخر.
ـ نسبة انتشار مرض الوسواس القهري حوالي 2% من مجموع الناس، وبالتالي نحن نتحدث عن رقم مقداره 140 مليون شخص من كافة الأعمار والقوميات والأديان مصابون بهذا المرض.
ـ وفي مثل هذه الحالة:
1ـ لا يكفي أن يكرر المريض ذكراً معيناً، بل قد يستفحل المرض عنده ويأخذ منحى آخر.
2ـ لا يكفي أن نعلّمه الحكم الشرعي، لأن المشكلة ليست معرفية.
3 ـ لايكفي أن نوحي له أن ذلك من الإيمان، بل قد يجده مبرِّراً لما يفعل.
4ـ لا يكفي أن نقرأ عليه القرآن، لأننا لن نعالج المشكلة، بل لربما نخفف عنه شيئاً من الضغط النفسي.
ـ المعالجة الصحيحة تكمن في تشخيص الحالة بعرضها على الطبيب النفسي المختص، ومعرفة هل المرض نفسي، أم عقلي، أم نفسي/عقلي، لأن نقصاً في المادة العاملة على توصيل المعلومات في الدماغ، أو ضعفاً في نقاط التوصيل، أو خللاً نفسياً حاداً كالاكتئاب أو القلق قد تكون هي السبب وراء ذلك.
ـ ولذا تتم المعالجة وفق التشخيص السليم عن طريق بعض الأدوية والعلاجات لتعديل التركيب الكيميائي في الدماغ، أو بواسطة الجلسات العلاجية النفسية أو بهما.
ـ ولابد من التعامل مع هذا الأمر كمرض، ولا يخجل الإنسان من مرضه، بل يعالجه، لأن من أهم أسباب التأخر في العلاج وصعوبته هو عدم إفصاح المريض عن مشكلته أو الأعراض أو الانزعاج من مراجعة الأطباء والمعالجين النفسيين.
ـ وهناك الكثيرون ممن تعافوا من هذا المرض وتجاوزوه، بعد فترة من معاناة والتزام العلاج، وعلى المحيطين بالمريض أن يساعدوه في مقاومة هذا المرض الخبيث، ليس بالسخرية منه، وإنما بتشجيعه على المعالجة.
ـ نسأل الله الشفاء والمعافاة لجميع المرضى، اللهم شافهم بشفائك، داوهم بدوائك، عافهم من بلائك إنك سميع مجيب.