خطبة الجمعة 1 رجب 1437: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: من وصايا الإمام الباقر


ـ مع حلول شهر رجب نستقبل ذكريات مواليد عدة، منها مولد الإمام أمير المؤمنين(ع)، والإمام محمد الباقر، والإمام محمد الجواد، الإمام علي الهادي، سلام الله عليهم أجمعين.
ـ ولما كان أولها بحسب الترتيب الزمني هو مولد الإمام محمد بن علي الباقر(ع)، لذا سنتوقف هذا اليوم مع وصية له أوصى بها جابراً الجعفي وقد خدم الإمام 18 سنة.
ـ وقد اختُلف في شأن وثاقته وصلاح حاله، كما رُويت عنه روايات غريبة، وقد اختار السيد الخوئي الوثاقة وجلالة الشأن حيث قال: (الذي ينبغي أن يقال أن الرجل لابد من عده من الثـقاة الأجلاء)، ويبدو أن المشكلة كانت فيمن رووا عنه كعمرو بن شمر بن يزيد، ومفضل بن صالح، وأنهم قد افتروا عليه، ونسبوا إليه ما لم يقله عن الإمام (ع).
ـ جاء في الوصية أنه قال له: (أوصيك بخمس: إنْ ظُلِمْتَ فلا تَظلِم) لا تفقد اتزانك الأخلاقي ولا تسمح أن يصيب تقواك خللٌ، فهو صمام أمان تصرفاتك، فالظلم لا يجتمع مع التقوى.
ـ عادةً، الإنسان إذا ظُلم يبادر لرد الاعتبار لنفسه، وقد يلجأ إلى الطرق غير المشروعة في ذلك، فليتذكر أن الظلم مبغوض حتى لو صدر من قبل المظلوم، وقد قال تعالى آمراً بالعدل على كل حال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّـهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
ـ (وإن خانوك فلا تخن) وهو نوع آخر من الظلم، قال تعالى: (إنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) [الأنفال:58].
ـ (وإن كُذِّبت فلا تغضب) لأن الغضب أيضاً يُفقد الإنسان توازنه الأخلاقي، ويفتح المجال لوساوس الشيطان، وللنفس الأمارة بالسوء، كي تنفخ في نار الغضب لتُفسد العلاقات وتُوتر الأجواء، ولربما تتطور الأمور إلى ما لا يُحمد عُقباه، ويعمد الغاضب إلى تصرفات يندم عليها لاحقاً، وبتعبير الإمام الباقر(ع) في حديث آخر: (إنّ هذا الغضب جمرة من الشيطان تتوقّد في قلب ابن آدم).
ـ وما دمتَ تعرف أنك صادق، فلا تبالِ بما يقولون، وبتعبير الإمام الكاظم(ع): (لو كان في يدك جوزة وقال الناس: في يدك لؤلؤة، ما كان ينفعك وأنت تعلم أنّها جوزة، ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس: إنّها جوزة، ما ضرّك وأنت تعلم أنّها لؤلؤة).
ـ (وإن مُدِحتَ فلا تفرح وإن ذُمِمْتَ فلا تجزع، وفكّر فيما قيل فيك) وأنت مع هذا الذم أمام احتمالين:
ـ الاحتمال الأول صحة كلامهم: (فإن عرفتَ من نفسك ما قيل فيك) أي إذا كان تقييمهم مطابقاً للواقع، فلماذا تهتم بتقييمهم لك وتعيش حالةً من الطوارئ في المشاعر، بينما لا تهتم بتقييم الله لك، مع العلم أن الله سبحانه سيحاسبك على سيئاتك ويعاقبك عليها (فسقوطك من عين الله جلّ وعزّ عند غضبك من الحق أعظم عليك مصيبة ممّا خفت من سقوطك من أعين الناس).
ـ الاحتمال الثاني بطلان كلامهم: (وإن كنتَ على خلاف ما قيل فيك، فثوابٌ اكتسبتَه من غير أن يَتعب بدنُك) وهي هدية من الله لك إذ اتهموك بهتاناً وافتراءً وسعياً منهم لإسقاط شخصيتك في المجتمع.
ـ إن مدرسة أهل بيت الرحمة هي مدرسة الحكمة في الحياة، والتي تسعى أن تحفظ أقدامَنا من الزلل، وألسنتَنا من الباطل، وأخلاقَنا من التمييع، وتقوانا من الاهتزاز، لنكون عباد الله المحبوبين على الأرض، المرضي عنهم في السماء.