خطبة الجمعة 23 جمادى الآخرة 1437: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: البهتان العملي


ـ قال تعالى: (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا، وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) [النساء:20-21].
ـ نحن نعرف أن البهتان هو نسبة أمر سلبي إلى شخص ما زوراً وبالباطل، بحيث يكون بريئاً منه.
ـ وقد جاء في القرآن الكريم وفي الحديث الشريف ما ينهى عن البهتان ويبيّن خطورته وآثاره القبيحة، ومن ذلك ما في الحديث النبوي: (مَن بهت مؤمناً أو مؤمنة، أو قال فيه ما ليس فيه، أقامه الله تعالى يوم القيامة على تلٍّ من نارٍ حتّى يخرج مما قاله فيه).
ـ إلا أن الآية السابقة استعملت هذه الكلمة في مورد يرتبط بالتصرف لا بالكلام... فما علاقة البهتان بذلك؟
ـ الآية تتحدث عن حالة ما لو أراد أحدهم الزواج بالثانية، فإنّه ومن أجل أن يؤمّن لنفسه مبلغاً من المال يقدّمه مهراً للزوجة الجديدة أو لاحتياجات البيت الجديد، فإنه يضغط على الزوجة الأولى إلى درجة التعسّف، حتى تطلب الطلاق وتتخلص من إيذائه، فتبذل له المهر الذي أخذته منه، أو تطالبه به كمؤخر صداق.
ـ وهذه صورة من صور كثيرة يفقد فيها الإنسان توازنه الأخلاقي وتقواه عند نشوب الخلافات الزوجية، وتتحول فيها الخصومة إلى فجور فيها، وما أيسر أن تتحول الخلافات الزوجية ـ للأسف ـ إلى فجور في الخصومة.
ـ وتأتي الآية لتنهى عن هذه الممارسة التعسفية، مطلِقةً على هذه العملية عنوان (البهتان)، على اعتبار أن هذا الأخذ التعسفي هو فعل باطل، وكأنه يُنكر استحقاقها للمهر... فأشبه البهتان القولي من هذه الناحية.
ـ ومن هنا نقول أن في هذا التصرف بُعدين، البُعد الأول: البهتان، والبُعد الثاني: أكل المال الحرام... وكل ما جاء من عقوبة تخص هذين العنوانين يترتب هنا.
ـ ثم تطرح الآية المسألة في جانبها الإنسانيّ: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ) كيف تنسى أيها الزوج الأيام الجميلة والعواطف المتبادلة بينكما؟ أليس في هذا ما يردعك عن مثل هذه التصرفات الجائرة؟
ـ كما تطرحها في جانبها القانوني: (وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا)، فالزواج بأركانه، ومنه المهر يمثل ميثاقاً بين طرفين، والله قد غلّظ هذا الميثاق، فكيف يحق لك أن تتعدى على الميثاق وتنقض العهد؟
ـ إننا إذا شعرنا بالقوة تجاه إنسان ضعيف، فشجعَنا ذلك على التجاوز على حقوقه، فلنتذكر في تلك اللحظة أنَّنا ـ في ذات الوقت ـ إنما نتعامل مع الله القاهر فوق عباده، المهيمن على الأمر كلّه، وأننا عندما نتمرَّد على الله ونحاربه، فعلينا أن نستعدّ لبلاء الله في الدنيا قبل الآخرة، وإذا أراد بنا ضرّاً، فمن يكشف عنّا ضرّه؟! وإذا أراد أن يبتلينا فمن ينقذنا من بلائه!؟ اللّهم فكما كرّهت لي أن أُظلم، فقني من أن أَظلِم.