خطبة الجمعة 22 صفر 1437 : الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: طلاق أبناء الطلاق


ـ قال تعالى: (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[البقرة:٢٣٣].
ـ تشير الآية السابقة إلى سوء تصرف بعض الأزواج حين الخصومة بينهما بجعل الأبناء وسيلة من وسائل الانتقام من بعضهما البعض، كما جرت العادة وما زالت، دون مراعاة لمصالح الأبناء ومشاعرهم.
ـ ولكن الأمر لا يقف عند هـذا الحد، فحتى مع عدم اللجوء إلى استخدام الأبناء في عملية الانتقام هـذه، تبقى التأثيرات السلبية للطلاق والخصومة حاضرة بالنسبة إلى الأبناء.
ـ هذه التأثيرات قد تكون قريبة الظهور، وقد تكون بعيدة مستقبلية. ومن بين الآثار المستقبلية ما عكسته بعض الدراسات الميدانية التي خلُصَت إلى أن: (أطفال الآباء المطلقين أكثر عرضة لخوض تجربة الطلاق عندما يتزوجون في المستقبل) إذ يزيد الاحتمال إلى الضعف مقارنة بأمثالهم ممن لم يعانوا من طلاق الأبوين.
ـ وقد يبدو الأمر غريباً للوهلة الأولى، إذ يُفترض بمن يعيش تجربة مريرة أن يتجنب مسبباتها أو خوضها على المستوى الشخصي في المستقبل.. فما الذي يدفع أبناء الطلاق لتكرار التجربة السلبية لآبائهم؟
ـ يُرجع ذوو الاختصاص هذه المفارقة إلى عدة عوامل:
1ـ القلق: فمع التغير السلبي المفاجئ في العلاقة بين الزوجين، ومعاينة الأبناء لذلك، فإن القلق من المستقبل الغامض سيكون مسيطراً، وسيفقد الأبناء الإحساس بالأمن الذي كانوا ينعمون فيه من قبل، ولو بشكل نسبي، خاصة إذا لاحظنا انعدام أو قلة التجربة عند الأطفال في القضايا الاجتماعية من هذا القبيل، ولاسيما بلحاظ بعض الإحصاءات التي تشير إلى أن 60% من حالات الطلاق تقع عندما يكون الأطفال قصّراً.
ـ والإحساس بالأمن قضية محورية في التكوين النفسي والاجتماعي للطفل، ولذا كثيراً ما يتم التشديد على أن يتولّى الأبوان القيام بإطعام الطفل في طفولته المبكرة ونظافته وكسوته، وعدم إيكال ذلك إلى الخادمة.. لأن مفهوم الأمن بالنسبة إليه يتلخّص في هذه الأمور، ومع إيكالها إلى الخادمة، فإن الطفل سيعتبر أنها هي مصدر الأمان، وسيكون متعلقاً بها كثيراً، كما أن فقدانها سيترك أثره النفسي الواضح عليه.
ـ في دراسة على 48 طفلاً في مرحلة رياض الأطفال انفصل والداهم بالطلاق، و48 طفلاً يعيشون مع والديهم، تبين ارتفاع معدلات سوء التوافق النفسي والاجتماعي لدى الفئة الأولى بدليل: (التصرفات العدوانية ـ عدم الاستقرار في الفصل ـ مص الأصابع ـ صعوبات في النطق ـ ضعف الحصيلة اللغوية).
2ـ التشاؤم: فقد يسبب الطلاق بلورة شعور متشائم تجاه العلاقات كالزواج أو حتى الصداقة. ولكن لربما يمكن التخفيف من ذلك بشكل كبير في ما لو نجح الأبوان في تحقيق ما تحدثنا عنه ذات مرة بعنوان الطلاق الناجح
ـ ومن أمثلة ذلك: السماح بتبادل الحضانة والرعاية والرؤية بشكل سلس ومرن بين الأبوين بعيداً عن حالة المحاصصة للطرف الآخر، وعدم إثارة كل طرف لأبنائه ضد الطرف الآخر بذكر السلبيات والكلمات المهينة.
ـ وهذا من شأنه أن يساعد الأبناء على تعلم أنه ليس من الضرورة أن تؤدي الخلافات إلى انهيار كامل في العلاقات الاجتماعية، كالزواج والصداقة.
ـ ومن نتائج التشاؤم فقدان الثقة بالشريك، فعندما يكون الطلاق نتيجة وجود علاقة بين الأب مثلاً وبين امرأة أخرى ـ محللة كانت تلك العلاقة أم محرمة ـ فإن هذا التصرف يوصل رسالة سلبية إلى الأبناء مفادها عدم إمكانية الثقة بالشريك ضمن أية علاقة الاجتماعية، إذ أن الأطفال ينظرون إلى آبائهم ـ عادة ـ نظرة إكبار وإجلال واقتداء، وأنهم أهم الناس بالنسبة إليهم، وأنهم أفضل من سائر الناس.
ـ ولا شك في أن الحالة السابقة يمكنها تدمير تلك الصورة ذات الهالة الكبيرة.. لذا فمن المهم جداً الحفاظ على المناقشات الدائرة حول تلك المشكلة بعيداً عن الأبناء.
3ـ الانطوائية والخجل المفرط: ففي الوقت الذي يكون فيه بعض أطفال الطلاق عدوانيين، فإن البعض الآخر منهم يلجأ إلى الانطواء، ويتملكهم الخجل المفرط هروباً من نظرة الأقران إليهم، ومن الكلمات المسيئة الصادرة من المجتمع المحيط بهم، دون امتلاك القدرة على الرد أو الدفاع عن النفس.
ـ هذه الانطوائية وحالة الخجل المفرط، تُعرّضهم إلى فشل التجربة الزوجية في المستقبل، لاسيما تحت ضغط متطلبات الحياة الزوجية ومسؤولياتها وتحدياتها المختلفة.
4ـ ضعف الأداء: فقد كشفت بعض الدراسات أن الأطفال الذين عايشوا حالات الطلاق، هم أكثر ميلاً من أقرانهم لإظهار أداء متعطل وضعيف في أنشطتهم اليومية (بما في ذلك دراستهم).
ـ وهذا الأداء الضعيف قد يستمر معهم إلى حين الارتباط بشريك الحياة، ليظهر ذلك العيب جلياً وسط الظروف المتغيرة والمتقلّبة.