خطبة الجمعة 22 صفر 1437 : الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: هوية يوم الجمعة


ـ (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)[النحل:124]
ـ شرّع الله لليهود ابتداء من ليلة السبت إلى غروبه: حرمة مزاولة الكثير من الأعمال بما في ذلك اكتساب الرزق.
ـ فالسبت بتمامه يوم مخصص للعبادة ولاجتماع الأسرة.. يبدأ بالدعاء، ثم الاجتماع للعبادة ليلة السبت، واجتماع آخر صبيحته. والآية السابقة تتحدث عن التشديد عليهم في هذا الأمر اختباراً لهم، أو نتيجة تحايلهم عليه.
ـ وفي شريعة نبينا محمد (ص) جعل الله تعالى يوم الجمعة يوم عيد للمسلمين، يحتفلون فيه بختام نشاط أسبوع في طاعة الله، وشكره على النعم التي أنعمها عليهم، كما أنه عادةً ما يكون يوم اجتماع للأسرة يتجدد فيه اللقاء، وتتصل من خلاله الأرحام.
ـ وقد خفف الله تعالى على المسلمين وجوب تخصيص يوم كامل لهذا الغرض، وألزمهم فقط بحضور صلاة الجمعة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)[الجمعة:9] أي حرمة الاشتغال بكل عمل يُشغل عنها، سواء كان بيعاً أو غيره، وبحسب العلامة الطباطبائي في تفسيره: (إنما علّق النهي بالبيع لكونه من أظهر مصاديق ما يشغل عن الصلاة).
ـ ولا يستمر هذا النهي بعد انتهاء صلاة الجمعة، فالمجال مفتوح لممارسة مختلف أعمال الحياة: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ).
ـ ولكن من مجموع الأحاديث يتبيّن أن الله يحب ليوم الجمعة بليلته أن يكون متميّزاً في الأسبوع من خلال الإقبال على الله وعلى أعمال الخير، فعن الإمام الرضا(ع): (اعلم يرحمك الله أن الله تبارك وتعالى فضّل يوم الجمعة وليلته على سائر الأيام، فضاعَف فيه الحسنات لعاملها، والسيئات على مقترفها).
ـ وعن الصادق(ع): (إن للجمعة حقاً وحرمة، فإياك أن تضيّع أو تقصّر في شيء من عبادة الله والتقرب إليه بالعمل الصالح، وترك المحارم كلها، فإن الله يضاعف فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات، ويرفع فيه الدرجات).
ـ ومن هنا أيضاً يُكره الانشغال صبيحة يوم الجمعة بما يحرم المسلم من صلاة الجمعة، فعن الصادق (ع) أنه قال: (يُكره السفر والسعي في الحوائج يوم الجمعة بُكرةً من أجل الصلاة، فأما بعد الصلاة فجائز يُتبرك به).
ـ ولكننا وللأسف ما عدنا نعيش هذه الحالة في ثقافتنا الإيمانية، بل حتى بما يخص المقدار الواجب، فأصبح النوم والذهاب إلى المتنزهات أهم بمراتب من الحرص على حضور صلاة الجمعة، وبالتالي أصبحنا مصداق قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّـهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّـهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّـهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)
ـ إننا بحاجة إلى أن نعيد الحياة إلى الدور الذي أعدّه الله سبحانه ليوم الجمعة وليلته، ليمثّل هذا اليوم ـ وبحق ـ يوم عيد للمسلمين، يشكرون الله فيه، ويعبدونه، ويجتمعون فيه على الخير والمحبة، وينشطون فيه بكل العناوين التي يحبها الله، ليكون خاتمة أسبوع في مرضاة الله، ومنطلق أسبوع جديد في رعايته.