خطبة الجمعة 10 محرم 1437 : الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: التضحية

ـ من العناوين الحاضرة بكل وضوح في كربلاء عنوان التضحية.. التضحية في العناوين الكبرى، كالنفس والمال والولد من أجل المبادئ.
ـ والتضحية في التفاصيل أيضاً، حيث تجد مقاتلاً كسعيد الحنفي يقدِّم جسده درعاً ليتلقى السهام الموجهة لصدر الحسين(ع).. وآخر كالعباس يرفض أن يشرب من الماء ـ على الرغم من العطش والإجهاد ـ مواسياً أخاه الحسين ومَن في المخيم.
ـ وإحياؤنا لمناسبة كمناسبة عاشوراء يستدعي منا التعامل معها عن وعي وإدراك، لا عن مجرد محاكاة للماضين، أو من قبيل العادات والتقاليد.
ـ ومن المناسب هنا أن يمثّل لنا هذا الإحياء الإيماني درساً في التضحية والتي تستدعي تقديم مصلحة أو راحة الآخرين على الذات كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر:9].
ـ التضحية على مستوى العلاقة بين الزوجين، حيث نجد الأنا المتضخمة تدفع قوياً نحو تفكيك الأسر بالطلاق والنزاعات البينية المستمرة، فالزوج لا يفكّر إلا بإشباع رغباته وراحته المطلقة ولو على حساب الآخر، والزوجة لا تريد من زواجها إلا ما يحقق لها أحلامها الوردية في السفر وعمليات التجميل والإنفاق ببذخ وأمثال ذلك.
ـ والتضحية على مستوى العلاقة بين الإخوة والأخوات، حيث تتفجر الخلافات بمجرد وفاة الوالدين نزاعاً على بعض تفاصيل الإرث، ليمتد النزاع والتخاصم إلى الأبناء وأبنائهم عبر الزمن، بينما كان يمكن تفادي كل ذلك بشيئ من التضحية من هذا الطرف أو ذاك.
ـ والتضحية على مستوى الصداقات وزمالة العمل بالعفو عن أخطاء الآخر ضمن التوجيه الإلهي: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت:34]، فالأنا المتضخمة تعارض مثل هذا العفو وتدفع للاستمرار في الخصومة، بينما الن=تضحية تعمل على التنازل وكسر النفس.
ـ إن الحياة مشاركة، والمشاركة تستدعي التضحية، والأنا المتضخمة من أعدى أعداء التضحية.. وأن نكون في خط الحسين وأن نحيي ذكرى عاشوراء، فهذا يتطلب وقفة صادقة مع النفس: أنحن من الذين يضحّون من أجل الآخرين كما كان أنصار الحسين.. أم من الذين لا يريدون إلا أن يضحّي الآخرون من أجلهم كما كان ديدن الطواغيت عبر الزمان؟