هل للتوبة ورحمة اللّه وعفوه حدود؟ أم أنَّ التوبة مقبولة في كل وقت مهما كانت الذنوب ومهما تكررت؟

يقول اللّه سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}(الشورى/25)، ويقول تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}(البقرة: 222)، ويقول تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(الزمر: 53)، ويقول: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ}(الزمر/54). وقد ورد في الحديث: ((إنَّ للّه رحمة في يوم القيامة يتطاول لها عنق إبليس))، فعندما يرى إبليس كيف يرحم اللّه الخلائق، يطمع بالرحمة الإلهية التي وسعت كل شيء، فكيف نحدد رحمة اللّه بالقول إنَّ فلاناً لا يدخل الجنة وفلاناً يجب أن يدخل النار، واللّه سبحانه وتعالى يقول: {قُلْ لَوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ} (الإسراء/100)، فلو فرضنا أنَّ اللّه جعل الجنّة بأيدينا، فكم هم الذين سيدخلون الجنة، وكم هم الذين يدخلون النار؟! وقد نقل لي أحد المشايخ من أهل السنّة أنه تحدّث مع أحد أقطاب الاتجاهات التي تكفّر الشيعة، حيث كان يقول: إنَّ الشيعة كلهم في النار، فقال له ذلك الشيخ: الجنة عرضها السماوات والأرض وأنت تريدها لك ولجماعتك فقط؟ إنَّ اللّه رحمن رحيم، ولا علم لنا بحدود رحمته الواسعة.

أما التوبة المقبولة، فهي التوبة النصوح التي لا يعود بعدها الإنسان إلى ارتكاب الذنوب، لأنّ الإصرار على الذنب تجرّؤ على اللّه سبحانه وتعالى، وأبواب التوبة مفتوحة لمن أناب إلى اللّه واستغفر من ذنبه وتاب. نعم، يبقى للشرك خصوصية في أنّ الله لا يغفره غفراناً عفوياً من دون التوبة، وذلك قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}[النساء/48]، فإذا تاب من الشرك، كما كان الكثيرون من المسلمين الذين لم يكونوا على التوحيد في بداية حياتهم، فآمنوا في المرحلة النبويّة وما بعدها، فإنّ الله يقبل التوبة ويغفر له ما تقدّم من شركه.