ليتك كنت معنا سيّدي - سوسن غبريس

ليتك كنت معنا سيِّدي ـ وبيننا ـ في هذه الأيّام الصَّعبة الّتي تعصف بالفتن والعصبيَّات وحروب التَّكفير والمذهبيَّة.. ليتك كنت بيننا ومعنا.. نستضئ بنور أفكارك ووعيك وإيمانك الوحدويّ..
منذ رحلت والأمّة ليست بألف خير.. إنّها ليست بخير أبداً؛ تتناهشها الصّراعات والنّزاعات، يتكالب بعضها على بعض، يتعادون ويتحاربون، والعدوّ الحقيقيّ يضحك علينا، يقهقه ليل نهار من جهلنا وغبائنا، يصفّق لكلّ منّا، ويحمّسنا لنستمرّ في مسرحيّة غيّنا وجهلنا.
قد آلمتنا الأحداث بعدك يا سيّدي، وعلت أبواق الفتن وعزّ الحكماء.. ونحن الّذين كنّا إذا ضاقت بنا السّبل، وغصنا في لجج الأزمات، لجأنا إلى شاطئ فكرك النيّر، فنجد عندك كلّ ما يهدّئ فورتنا، وكلّ ما يؤنسنا ويهدينا سواء السَّبيل.
كم نشتاق إليك، إلى كلماتك الذّهبيّة الّتي تضجّ بالدّعوة إلى الوحدة، في وقتٍ يصمّ آذاننا ضجيج الدّعوة إلى التّفرقة.. كم نحنّ إلى سراج عينيك.. يضيء لنا عتمة الطّريق، فلا نتوه ولا نضيّع البوصلة!
ماذا نقول في ذكرى رحيلك.. وكلّ يوم يمرّ نشعر أكثر من أيّ وقت مضى بألم الفراق.. لقد تطرّفنا في الحقد، يا سيّدي، حتّى جعلناه مقدّساً.. صار الحقد بوصلتنا والمسار.. خلعنا عنّا رداء العقل والحضارة، وارتدينا رداء الجاهليَّة العمياء... نبشنا التّاريخ من قبره، جئنا منه بكلّ اللّعنات التّائهة، ودللناها علينا.. وها هي تأبى أن تفارقنا..
ولكنّنا لم نيأس بعد، فما زالت فينا كلماتك الحانية علينا وعلى إسلامنا، الحانية على إنسانيّتنا وعلى مصيرنا.. علماً يرشدنا ويمنعنا من السّقوط.. في ذكرى رحيلك الثّالثة، نفتقدك سيّدي.. وفي اللّيلة الظّلماء يفتقد البدر..
(في الذّكرى الثّالثة لرحيل العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله)