باعث الأمل في الأمة - عمار كاظم

الإمام المهدي هو باعث الأمل فينا، ونحن بحاجةٍ إلى هذا الأمل؛ الّذي هو الدّافع إلى العمل الحقيقيّ لتحقيق إرادة الله على الأرض، بل إنّ الإمام المهدي هو حاجة لكلّ مقهور، سمعنا بأنّاته أو لم نسمعها، وما أكثر أنين المقهورين المستورين! وهو حاجة لكلّ مظلوم، علمنا بشكواه أو لم نعلمها، والمظلومون كُثر كُثر، يتوزّعون في كلّ أرجاء الأرض، يعانون بصمتٍ قاتل، يرتدّ إلى داخلهم، فيبتلع كلّ ما لديهم من أمن وأمان وكرامة وعزّة وحرية، من لهؤلاء جميعاً سوى الأمل الحقيقيّ الّذي نراه قريباً...
من الإمام المهدي نتعلّم دروساً، نتعلّم أن نكون أوفياء للإنسان كلّ الإنسان، لا تحدّ هذا الوفاء حدود الهويّة والطّائفة والمذهب والعرق، ولا الزّمان أو المكان. لأنّ ما يجمع الإنسان بأخيه الإنسان هو الشيء الكثير، فالألم واحد، والأحلام والآمال واحدة. ومهمّة إعمار الأرض تقع على عاتق الّذين تتألّق الإنسانيّة في داخلهم، فتتألّق كلّ الإنسانية بهم.
لم تكن قضية الإمام المهدي عليه السلام مسألة وعد تاريخي جاء على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله فحسب ، بل وعد رباني بتحقيق العدالة الإلهية الشاملة وليكون الدين كله لله وتزدهر الأرض يومئذ بنور ربها.
على يد المهدي المنتظر ستكون نهاية المخاض العنيف والصراع الضاري الذي يشهده العالم بين قيم الحق والعدل والمثل الأخلاقية من جهة والمبادئ الضالة والأفكار المنحطة والحضارات والمدنيات الجاهلية المنحرفة، وما نشهده في عالمنا من يأس الناس جميعا مما في الأرض وبحثهم عن خلاص في هدي الله وشريعته بداية لذلك النصر الإلهي الشامل على يد هذا الامام. قضية المهدي قضية أمل المؤمنين منذ مطلع التاريخ ليملأ الأرض قسطا وعدلا وليكون الدين كله وهي قضية كل مسلم في عصرنا الحاضر.
انطلقت الرسالة في حجم العالم، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(الأنبياء/107)، وانفتحت على الرسالة في دعوتها لتؤكد القاعدة التي انطلق منها كل الرساليين الذين جاهدوا واستشهدوا حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً، وكانت الإمامة امتداداً حركياً للرسالة في الفكر والتخطيط والروح والانفتاح على المستقبل كلّه، وكما كانت الرسالة في شخص الرسول عالمية تنفتح على الإنسان كلّه، كانت الإمامة عالمية تنفتح على الإنسان كلّه. وهكذا قرأنا عليّاً عليه السلام في عهده لمالك الأشتر رضي الله عنه عندما قال له: (فإنّ الناس صنفان: أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)، أي لتكن مسؤوليتك عن المسلمين كلّهم هي أن ترتفع بهم في خط الإسلام، عن الإنسان كلّه أن تفتح عقله وقلبه وحركته على ما يهديه إلى الصراط المستقيم.
إن المسألة هي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان رسالة تتجسد، وكان علي عليه السلام والصفوة الطيبة من أبنائه رسالة تتجسد، لذلك ونحن نعيش غيبة الإمام فإننا نعيش حضوره لأنه إذا غاب عنّا شخصه فلم يغب عنا برسالته «وأما الحوادث الواقعة ـ قالها في أواخر كلماته التي أجاب بها بعض الناس ـ فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله»، قال لنا أن المسألة هي أنّني وإن غبت عنكم، فقد تركت لكم كل تراث آبائي، كل ما قالوه في العقيدة وفي الشريعة وفي المنهج وكل ما طبقوه في حياتهم.. وفي ضوء ذلك، نحن نعيش حضوره لأنه ترك لنا كل خلاصة الأئمة من أهل البيت عليهم السلام.