عقيدة المخلّص الموعود - الشيخ حسين الخشن ـ لبنان


ن
س: على ضوء الأحداث والمجريات الحاصلة في العالم العربيّ، يتمّ ربط هذه الأحداث بفكرة ظهور الإمام المهدي.. ما مردّ هذا الرّبط، ولم يلجأ النّاس إليه؟
ج: أعتقد أنّ هذا الرّبط، ومن حيث المبدأ، ليس خاصيّة شيعيّة أو حتّى إسلاميّة، بل هو خاصيّة يتلاقى عليها كلّ أتباع الشّرائع السماويّة، فكلّ الّذين يؤمنون بالمخلّص، أو بالموعود، يتطلّعون إلى ذاك اليوم الّذي تتحقّق فيه دولة العدل وتتحقّق معها كلّ أمانيّهم، ولذا كلّما واجهتهم مظالم أو أحداث معيّنة تضغط على أعصابهم، يتطلّعون إلى ذلك المخلّص والمنقذ. وما يميّزنا نحن المسلمين عن غيرنا، أنّ منسوب هذا التطلّع والتّشوّف إلى المخلّص مرتفع جداً لدينا، وذلك بسبب وفرة النصوص الموجودة في تراثنا الإسلامي المرويّة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عن الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام، والمتّصلة بآخر الزّمان، وهي نصوص رسمت لنا صورةً عن أحداث آخر الزّمان ومجرياته، وما يجري اليوم في العالم العربي والإسلامي، يقرؤه الكثيرون من هذه الزّاوية، ويربطونه بشكل طبيعيّ بظهور المهدي الموعود عجل الله فرجه.
إلا أنّه لا بدَّ لنا من أن نضع لهذه الظّاهرة بعض (الكوابح)، إن صحّ التّعبير، حتّى لا تخرج عن المألوف وتتحوّل إلى مشكلة. إنّ هذا التّطلّع نفسه مشروع، كما أنّ له آثاره الطيّبة على الحياة العمليّة للنّاس، لأنّ الإنسان عندما تحيط به الصّعاب والتحدّيات، ويشعر بأنّ واقعه مأزوم، يحتاج إلى ركن وثيق يلجأ إليه ويعطيه العزم والأمل، وهذا ما يوفّره له التطلّع إلى المخلّص وانتظاره، بيد أنّ رصد علامات الظّهور والتطلّع إلى المهدي الموعود، لا يبرّر لنا أن نستغرق في ذلك، بحيث نتهرّب من مسؤوليّتنا الشّرعيّة.. إنّ عقيدة المهدويّة هي عقيدة الأمل والعمل، لا عقيدة اليأس والكسل.
ثم إنّ علينا أن نبتعد عن محاولة إسقاط النّصوص الواردة في المهدي عجل الله فرجه على الواقع بطريقة متكلّفة تعتمد التّأويل، حيث يعمد البعض إلى ليّ عنق النصّ وربطه بالواقع، بل أحياناً تُخترع أحاديث لا وجود لها وتُربط بالواقع. وهذا المنهج الذي يتجاوز ضوابط قراءة النّصّ وآليّاته المعهودة، سوف يشرّع الأبواب أمام أصحاب الأغراض الخاصّة لقراءة النّصوص على مزاجهم ووفق مصالحهم ورغباتهم. أضف إلى ذلك، أنّ الكثير من هذه النّصوص المتّصلة بعلامات الظّهور هي حمّالة أوجه، يمكن أن تنطبق على هذا الزّمان، ويمكن أن تنطبق على أزمنة أخرى قادمة، فلا يمكن لنا أن نأتي إلى نصّ حمّال أوجه ونربطه بالرّاهن من الأحداث، ولا سيّما أنّ الأمر سوف يخلق ردّ فعل سلبيّاً تجاه عقيدة المهدويّة نفسها لدى الذين ثقّفناهم بهذه الثّقافة، وذلك في حال لم تتحقق هذه العلامة.
هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى، فإنّ البعض لا يمارس في تعامله مع النّصوص عمليّة إسقاطيّة فحسب، وإنما يمارس أيضاً عمليّة انتقائيّة إزاء النّصوص الّتي تستشرف عالم الغيب، فيأخذ منها ما يعجبه ويخدم غرضه، ويطبّقه على بعض الشخصيّات المعروفة في هذا الزّمان، من دون تحقيق، ومن دون تنقيح وتثبّت، ومن دون مراجعة سائر النّصوص الواردة في الموضوع نفسه بما يوضح المقصود ويرفع اللّبس، وهذه الانتقائيّة منافية للأمانة العلميّة، هذه الأمانة الّتي تفرض علينا، إضافةً إلى ذلك التثبّت، أن نعمل على غربلة الرّوايات، لأنَّ روايات عالم الغيب والظّهور هي مجال خصب للكذب والوضع والدّسّ والتّزوير.