خطبة الجمعة 5 شعبان 1434 ـ الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى : خطاب الصحيفة السجادية


ـ من يتمعن في أدعية الإمام زين العابدين(ع) في الصحيفة السجادية يجد ـ وبصورة جليةّ ـ واقعية الخطاب وتنوع معالجاته، والبعد الإنساني العام في بعض نصوصه.
ـ وإذا كان الناس قد اعتادوا في تعاطيهم مع الدعاء أن يجدوا خطاباً تقديسياً في البداية، ثم ينطلق الداعي في تقديم حاجاته بين يدي الله سبحانه في حالة من التضرع والاعتراف بالضعف أمام التحديات التي تفوق طاقته، أو في اتجاه مستقبله الأخروي المجهول، فإن أدعية الصحيفة السجادية توسع آفاق الدعاء فتعالج قضايا فكرية وأخلاقية واجتماعية وسلوكية وسياسية وغيرها.
ـ ولنلاحظ كيف طرح الإمام قضية التفاعل الإيجابي مع جيوش المسلمين المنطلقة تحت لواء الدولة الأموية ـ المعادية لأهل بيت النبوة كما لا يخفى ـ من خلال دعائه لأهل الثغور، فقدَّم من خلال ذلك معالجة سياسية فكرية في كيفية التعاطي مع أوضاع مشابهة قد يواجهها أتباع أهل البيت (ع) في المستقبل: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَحَصِّنْ ثُغُورَ الْمُسْلِمِينَ بِعِزَّتِكَ، وَأَيِّدْ حُمَاتَهَا بِقُوَّتِكَ..).
ـ وكيف قدَّم الموقف من صحابة النبي(ص) في قضيةٍ ما زالت تفجِّر الصراعات بين السنة والشيعة، فقال في الصلاة على أتباع الرسل: (اَللَّهُمَّ وَأَصْحَابُ مُحَمَّد خَاصَّةً الَّذِينَ أَحْسَنُوا الصَّحَابَةَ، وَالَّذِينَ أَبْلَوْا الْبَلاَءَ الْحَسَنَ فِي نَصْرِهِ، وَكَانَفُوهُ وَأَسْرَعُوا إلَى وِفَادَتِهِ وَسَابَقُوا إلَى دَعْوَتِهِ واسْتَجَابُوا لَهُ حَيْثُ أَسْمَعَهُمْ حجَّةَ
رِسَالاَتِهِ، وَفَارَقُوا الأزْوَاجَ وَالأوْلادَ فِي إظْهَارِ كَلِمَتِهِ، وَقَاتَلُوا الآباءَ وَ الأبناءَ فِي تَثْبِيتِ نبُوَّتِهِ).
ـ وكيف قدَّم البعد الروحي والعملي في الدعاء عند المرض، ولم يكتفِ بسؤال الشفاء ومحو الذنوب كما اعتاد عليه الناس فقال: (فَمَا أَدْرِي يَا إلهِي، أَيُّ الْحَالَيْنِ أَحَقُّ بِالشُّكْرِ لَكَ، وَأَيُّ الْوَقْتَيْنِ أوْلَى بِالْحَمْدِ لَكَ، أَوَقْتُ الصِّحَةِ الَّتِي هَنَّأْتَنِي فِيهَا طَيِّبَاتِ رِزْقِكَ، وَنَشَّطْتَنِي بِهَا لابْتِغاء مَرْضَاتِكَ وَفَضْلِكَ، وَقَوَّيْتَنِي مَعَهَا عَلَى مَا وَفَّقْتَنِي لَهُ مِنْ طَاعَتِكَ أَمْ وَقْتُ الْعِلَّةِ الَّتِي مَحَّصْتَنِي بِهَا، وَالنِّعَمِ الَّتِي أَتْحَفْتَنِي بِهَا تَخْفِيفاً لِمَا ثَقُلَ بِهِ عَلَى ظَهري مِنَ الْخَطِيئاتِ وَتَطْهيراً لِمَا انْغَمَسْتُ فيهِ مِنَ السَّيِّئاتِ، وَتَنْبِيهاً لِتَنَاوُلِ التَّوْبَةِ).
ـ ومن المؤسف أن لا يتفاعل الكثيرون مع أدعية الصحيفة السجادية، ليكون عُرضة للهجران، بلحاظ ما سبق، ولتوقعهم أن يكون الدعاء في نسقٍ لغويٍّ معيَّن يستدر دمعتهم فحسب، لينالوا بعد ذلك مطالبهم الفردية، غافلين عن العطاء المهم لتلك الأدعية في الأبعاد المختلفة.
ـ لذا أدعو الإخوة والأخوات إلى قراءة الصحيفة السجادية بطريقة مختلفة عما اعتادوا عليه عند قراءة الدعاء، ليعيشوا مع المضامين الروحية والفكرية والتربوية والاجتماعية التي عمل الإمام زين العابدين(ع) على ترسيخها في كلماته لتتحول الصحيفة بالنسبة إليهم من مجرد كتاب دعاء إلى مدرسة إيمانية علمية.