رحلة العلم والمعرفة - عمار كاظم

يوم المبعث يوم الفرح الأكبر، لأنّه يوم ولادة الإسلام الذي أراد الله تعالى للناس أن ينفتحوا عليه، لتنفتح عليهم بركات السماوات والأرض، وأن يهتدوا به في الخط العام للهداية، في الإيمان بالله ورسوله ورسله ورسالاته وكتبه واليوم الآخر، وفي الخط العملي في حركة التشريع الّذي أراد الله سبحانه للناس أن يأخذوا به على أساس أنه هو الذي يمثل الحياة الحقيقية، والتي عبّر الله تعالى عنها في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)[الأنفال:24]. فالدعوة الإسلامية هي دعوة للحياة؛ الحياة الثقافية التي تنفتح بالإنسان على المعرفة.
أعد الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وآله وهيأه لحمل الرسالة وأداء الأمانة الكبرى لإنقاذ البشرية، وحين بلغ الأربعين سنة من عمره الشريف اختاره الله سبحانه نبيا ورسولا وهاديا للبشرية جمعاء. وقد تلقى البيان الإلهي وأمر بحمل الرسالة وتبليغ كلمة الله والدعوة إلى توحيده وعبادته وإصلاح البشرية وإنقاذها من الظلم والكفر والفساد والخرافة. فانطلق مستجيبا لأمر الله يبشر بالإسلام ويدعو إلى سبيل الله. ولعلَّ السيرة النبويّة تتحدث، أنّ أول كلمة نزلت من الله سبحانه وتعالى في أوَّل لحظة من لحظات الرسالة هي كلمة "اقرأ": (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ، عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[العلق:1-5].
وأنشأ نواته الأولى للدعوة الإلهية الكبرى في الأرض، فكان علي بن أبي طالب التلميذ الواعي لمضمون الرسالة، الجندي الحامل للراية والمخلص الوفي للنبوة والرسالة، وكانت أم المؤمنين خديجة عليها السلام نعم العون والنصير. ولذلك، فإنّ الإسلام انطلق من أجل أن يخرج الناس من أمية الفكر والإحساس والشعور، ليكون كلُّ مسلم مثقفاً بكل ما تتحرّك به مسؤوليته في الحياة، إن من حيث مسؤولية الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر، أو من خلال الخطِّ الأخلاقي والروحي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني الذي يريد الله تعالى للناس أن يسيروا فيه.
احتفالاتنا بالمبعث النبويّ الشريف بدايةً لحركة علمية يحاول كل إنسان فيها أن يدرس مقدار ما يملكه من معرفة، ليستزيد منها بحسب طبيعة الوسائل التي يملكها. وعلينا أن نعرف أن مسألة المعرفة لا تتّصل فقط بالجانب الثّقافيّ، بل بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية أيضاً، لأنّ كل هذه العناوين في حركة الإنسان في الحياة ترتبط بحجم المعرفة التي يملكها. في مولد الإسلام، في مبعث النبي، يجب أن يولد فينا العلم والوعي والإيمان والقوّة والعزة والكرامة والحرية، لنكون كما أرادنا الله تعالى أن نكون: {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ}(آل عمران:110).
amak_14@yahoo.com