حاجة أم هوس ؟

أصبح شغل بعض الشباب الشاغل تبديل السيارة، الهاتف النقال، ساعة اليد، النظارة الشمسية والملابس. ولم تعد الرغبة في اقتناء الجديد، خصوصاً العلامات التجارية العالمية تلبية لحاجة وإنما أصبحت هوسا يلامس سقف المرض. كأنّ مرضاً أصاب فئة لا بأس بها من الشباب، حتى أثمان الأشياء الباهظة لم تعد عائقاً أمام حبهم في تملك كل ما هو جديد، وإذا كان هوس الشراء والتغيير لا يقتصر على فئة عمرية معينة، إلا أنّ الشباب من الجنسين هم الفئة الأكبر، والسؤال هنا: هل الرغبة في اقتناء الجديد وراءها احتياج حقيقي، أم إنها فقط حب في المظاهر ورغبة في التباهي؟
صفة مكتسبة:
يقول ع.ش. الطالب بكلية الصيدلة: (من الطبيعي كشاب أحب الظهور، لأن مظهري جزء من شخصيتي، ولكن أظن أنني معتدل في هذا الجانب، هذا بالقياس مع غيري! أظن أنّ المسألة مرتبطة إلى حد ما بالتربية، فصاحب هذا السلوك غالباً ما ينتمي إلى أسرة تهتم بهذه الأمور، فهو طبع مكتسب من خلال أسلوب التربية).
أزمات ومشكلات:
لكن هذا التنافس مع التفاوت في المستوى والقدرة المالية بين الشباب، يمكن أن يخلق صراعات ومشكلات، هذا ما تؤكده هـ. ع. الطالبة بكلية الإعلام من خلال ما تراه وتعرفه عن زميلاتها وصديقاتها: (نعم ممكن جدّاً، وتحدث مشكلات، وأحياناً أزمات نفسية، سواء من جهة من لا يستطعن مجاراة الأخريات لأن إمكاناتهنّ لا تسمح بذلك، أو من لديهنّ أهل مقتدرون يلبون كل طلباتهنّ).
الغالي ثمنه فيه:
وبعيداً عن الآراء الحيادية، تكلم م. م. الطالب بكلية إدارة الأعمال، معبراً عن منطق الشباب: (لنكن واقعيين، في ظل كل ما يحيط بنا من منتجات مغرية من الطبيعي أن نرغب في امتلاكها، أنا شخصياً لا أستطيع مقاومة بعض المنتجات، وأتمنى أن أشتري كل جديد، وبعض الأشياء لا أقتنع بها إلا إذا كانت ذات علامة تجارية معروفة كالأحذية) وأشار إلى حذائه وقال: (هذا مثلا علامته التجارية معروفة، وثمنه يساوي تقريباً عشرة أضعاف الحذاء العادي، ولكنني أنتعله منذ عامين تقريباً ولم أغيره ويمكن أن يبقى سنوات أخرى، لأنّه غالٍ وجيِّد فأنا أحسبها من الناحية الاقتصادية، الغالي ثمنه فيه).
عدوى:
ح. م. الطالب بهندسة الكهرباء، يرى أنّ الأمر يتعلق بالتركيبة الشخصية وإلى التعود لدى البعض: (ولكن أشعر بأن هناك من يجاري الجو ويقلد الآخرين لكن الشباب بصراحة معذور لأنّ المجتمع الجامعي يميل للمظاهر، وأنا أقصد البعض وليس الكل طبعا).
هوس تقني:
في عالم التقنيات الحديثة نجد هوساً من نوع خاص أكثر ارتباطاً بالعصر، وهو الرغبة في امتلاك كل ما هو جديد من هواتف متنقلة وحواسب آلية وغيرها. أ. ح. الطالب بالهندسة المعمارية: (شخصياً لا أهتم إلا بالهواتف المحمولة، فأنا بصراحة لا أستطيع مقاومة أي نوع جديد يحمل مواصفات إضافية، وأي هاتف أشتريه لا يبقى معي أكثر من بضعة أشهر في أغلب الأحيان ثم أبدله وهو بحالته بنوع جديد وأدفع الفرق). وعن موقف والديه قال: (أحياناً أواجه بالرفض، ولكن في أغلب الأحيان أنجح في إقناعهما).
ثقافة استهلاكية:
الدكتور أحمد النجار، أستاذ في علم النفس، تحدث عن البواعث المختلفة من شخض إلى شخص: (الشباب عموماً يحبون الظهور والتباهي وهم يرون حولهم الإعلانات عن أحدث المنتجات والعلامات التجارية حتى في الشوارع، فينبهرون بها، وخصوصاً إذا كان بينهم من يملك القدرة المالية ليمتلكها، فتدخل المسألة في مرحلة منافسة، ويشعر الشاب بأنّه يجب أن يقتني ويستخدم هذه الماركات ليصبح في المستوى نفسه مع أصدقائه، وتسود ثقافة أن من يمتلك الأغلى والأحدث يكون الأفضل، والاعتقاد بأن ذلك يعكس المستوى الاجتماعي. والشاب قد يشتري شيئاً لمجرد أنّه رآه مع صديقه، بغض النظر عن مدى الحاجة إليه، أو توفر الإمكانيات المادية المناسبة لشرائها، ليس قناعة بل محاكاةً لصديقه أو زميله، وهذا ما يدفع مجموعة من الشباب المراهقين الذين ليس في إمكانياتهم شراء العلامات التجارية الشهيرة إلى شراء المنتجات المقلدة، ليتباهون بها ويشعرون بأنهم مثل زملائهم الأكثر ثراء، فالمسألة هنا ذات جانب اجتماعي نفسي، لأنّها تحولت إلى ثقافة تتسرب إلى فكر الشباب، ليتحول تفكيره من الأمور الجادة إلى كماليات وثقافة استهلاك والتمسك بالمظهر على حساب الجوهر".