طعامك في شهر رمضان

المطلوب في الصيام ان تصبح الإرادة الإنسانية جزءاً من الإرادة الإلهية، إذ يفترض أن تكون إرادة الإنسان تمثل إرادة الله تعالى في الأرض، لأنه خليفته فيها، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) (البقرة:30).
ومن اجل تطويع الإرادة الإنسانية، عمد الشارع المقدس إلى تدريب هذه الإرادة على إطاعة إرادته والخضوع لها، فاختار وسيلةً سهلة لذلك، وبرنامجاً مبسطاً يستطيعه كل إنسان مكلف، يلتزمه شهراً كاملا في كل سنة، وحاصله: ان يترك المكلف بعض المباحات مثل (الطعام) و(الشراب) و(المعاشرة الزوجية) وغير ذلك نهاراً كاملاً، ليقوى بذلك على ترك المحرمات. وبذلك تتحول النفس، من نفس مقهورة مغلوبة، إلى نفس مختارة حرة، ومن هنا يمكننا ان نفسر الكثير من الأحاديث التي تنكر ان تكون الغاية من الصوم هي الامتناع عن الطعام أو الشراب، فعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: (ان الصيام ليس من الطعام والشراب وحده، ان مريم عليها السلام قالت: «إني نذرت للرحمن صوما» أي صمتاً، فاحفظوا ألسنتكم، وغضوا أبصاركم، ولا تنازعوا، ولا تحاسدوا، فإن الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب).
السحور: عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فيما يخص السحور: (تعاونوا بأكل السحور على صيام النهار)، وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: (لو ان الناس تسحروا ولم يفطروا إلا على ماء قدروا على ان يصوموا الدهر). وهناك حث على تناول مواد تحتوي على السكر من قبيل التمر والزبيب، ففي حديث عن جابر الجعفي عن الإمام محمد الباقر عليه السلام قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفطر على الأسودين، قلت: رحمك الله، وما الأسودان؟ قال: التمر والماء، والزبيب والماء، ويتسحر بهما).
الإفطار: وهكذا بالنسبة إلى الإفطار، ففي الحديث عن الصادق عليه السلام: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أول ما يفطر عليه في زمن الرطب، الرطب وفي زمن التمر التمر). وعنه أيضا: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أفطر بدأ بحلواء يفطر عليها، فإن لم يجد فسكرة أو تمرات، فإذا أعوز ذلك كله فماء فاتر، وكان يقول: ينقي المعدة والكبد، ويطيب النكهة والفم، ويقوي الأضراس، ويقوي الحدق ويجلو الناظر، ويغسل الذنوب غسلا، ويسكن العروق الهائجة، والمرة الغالبة ويقطع البلغم، ويطفيء الحرارة عن المعدة، ويذهب بالصداع).
وفي الأحاديث التأكيد على استحباب أداء صلاة المغرب ثم الإفطار، فعن الإمام الصادق عليه السلام: (ابدا بالصلاة فإنها أفضل من الإفطار، وتكتب صلاتك وأنت صائم أحب إلي). ولكن هذا الاستحباب مشروط بالقدرة والطاقة، وان النفس لا تنازع الإنسان على الإفطار، ففي الحديث: (إن كنت ممن تنازعك نفسك للإفطار وتشغلك شهوتك عن الصلاة فابدأ بالإفطار ليذهب عنك وسواس النفس اللوامة)، وكذلك يفضّل تقديم الإفطار فيما لو كان معه قوم ينتظرونه على الإفطار، لما في ذلك من احترام للآخرين ورعاية لمشاعرهم.