تصحيح العلاقة بالدين - الشيخ علي حسن

خلال الأسبوعين الماضيين راجعني عدد من الإخوة والأخوات حول موضوع صلاة المريض على الكرسي، كما راجع آخرون عدداً من المشايخ بهذا الخصوص أيضاً، الأمر الذي عكس اهتماماً شديداً من قبلهم بالشأن الشرعي في واحدة من مفرداتها، وهذا في حد ذاته يمثل حالة صحية إيجابية تدل على الاهتمام بالصلاة التي هي عمود الدين.
إلا أن نفس هذا الاهتمام قليل النظير يؤكد من جديد عدم الاتزان في التفاعل مع القضايا وفقدان الصورة المتكاملة للعلاقة بالدين. فلو طُرحت قضية يغفل عنها الناس، وهي ذات بُعد اجتماعي حساس، تنهدم من خلاله العلاقة الزوجية مثلاً، أو إشكالية عقائدية تنخر في عقيدة الأبناء، أو تحدٍّ أخلاقي يدمر الروحية، لما وجدنا معشار هذا الاهتمام الذي يبديه الناس على مستوى المسائل الشرعية الفردية.
فضيق الأفق في فهم العلاقة بالدين وحصره غالباً في إطار المسائل الشرعية الفردية التي نستغرق فيها على حساب الكثير من القضايا الهامة يعد حالة سلبية تحصر الدين في زاوية ضيقة جداً وتفقده حضوره في الحياة بما يحقق السعادة للإنسان. وهذا ما يمكن انتزاعه من الآية القرآنية: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) البقرة:177.
فعندما عاش المسلمون تحدي تغيير القبلة بعد الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة بعام أو أكثر، وأثار اليهود حولها الكثير من اللغط، انشغل المسلمون في المسألة فتحولت وكأنها القضية المركزية في حياتهم، فجاءت الآية الشرفة لتطلب منا أن لا نضيّق مفهوم البر، ونستغرق في نقاشات حول مسألة شرعية كمسألة تحديد القبلة وكأنها التحدي الأكبر الذي يواجه المسلمين في كل أجواء التحدي الفكري والأخلاقي والروحي والسلوكي وننسى التحديات الحقيقية على تلك المستويات.
وأنا شخصياً أتلمس هذا الأمر بوضوح، فبعد محاضرةٍ أتناول فيها عدة مفاهيم إيمانية أو أخلاقية أو غير ذلك، وعندما ينفتح باب السؤال أجد قسماً كبيراً من السائلين يسألون عن مسائل شرعية ترتبط بالوضوء مثلاً، وكأن الحديث الذي طُرح لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد.
ويجب أن نقر أن الخطاب الديني السائد في أوساطنا يتحمل المسؤولية الأكبر في ذلك، من خلال تركيزه على المسائل الشرعية الفردية، مما خلق عقلية دينية أطّرت نفسها بهذا الإطار، بل وأحياناً بالمستوى الذي جعل من الأحكام الشرعية وكأنها عقدة في مسيرة الإنسان في حياته، تضع له العراقيل والحواجز، بل وتتحول في بعض الأحايين إلى حالة وسواسية مفتعلة ليس لها أساس نفسي ولا عقلي.
إنها دعوة إلى الجميع أن يهتموا ببقية الأمور التي تمس العقيدة وتمس الأخلاق وتمس الحياة ـ على الأقل ـ بالمستوى الذي يولونه لتلك المسائل الشرعية ذات البُعد الفردي.