الكوثر والامتداد الرسالي للنبوة

زعم بعض مشركي مكة أنه بوفاة القاسم وعبدالله ابني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن امتداده الرسالي المتمثل في شخصه ومن خلال ذريته قد انقطع، فجاءت سورة الكوثر (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ) لتؤكد بطلان هذا الزعم، بالتأكيد على الخير الكثير الذي أعطاه الله لنبيه، والذي سيضمن ذلك الامتداد.
فكانت ولادة السيدة الزهراء عليها السلام، ثم اقتران أمير المؤمنين علي عليه السلام بها، ثم ولادة السبطين الحسن والحسين عليهما السلام، ثم الأمْر الإلهي للمسلمين بوجوب أن يقرنوا ذكر الآل بذكر محمد صلى الله عليه وآله وسلم في تشهّد كل صلاة واجبة، ثم قول النبي: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي) وأعقبه قوله: (واني سائلكم حين تنزلون علي عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما حين تلقوني. الثقل الاكبر كتابُ الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بايديكم فاستمسكوا به ولا تضلوا ولا تبدلوا، والثقل الاصغر عترتي اهل بيتي قد نبأني اللطيف الخبير انهما لن يفترقا حتى يلقياني وسألت ربي لهما ذلك فاعطاني، لا تسبقوهم فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فهم اعلم منكم).. كل ذلك لضمان امتداد ذلك الخير الكثير الذي أخبر به الله سبحانه في سورة الكوثر.
إن سورة الكوثر تمثل دعوة إلى كل المسلمين لينهلوا من هذا الخير الكثير المتمثل في الامتداد الرسالي للنبوة من خلال عترته أهل بيته.. وليراجع كل مسلم نفسه لم كل هذا الذكر المكرر للآل في كل تشهد في الصلاة؟ ولم جاء الأمر النبوي باتباعهم في حديث الثقلين المروي في صحيح مسلم وفي غيره من الصحاح بحيث جُعلوا مع القرآن في خط واحد؟ أيعقل أن يكون لمجرد التكريم والاحتفاء بهم وتطييب خاطر النبي؟
ثم إن ادعاء حب الآل لا يكفي في الوقت الذي يجهل فيه المسلم سيرتَهم وسنَّتَهم.. إن حب الآل واتباعَهم لا يتحقق بهذه الصورة من التهميش الذي لا ينسجم مع كل الاهتمام السماوي والنبوي بأمرهم.
ومن جهة أخرى فإن الأخذ من معين هذا الكوثر لا يكون بالاقتصار على الحالة الاحتفالية والمناقبية التي يتصورها البعض في الدائرة الشيعية، وهو ما أكد عليه الإمام محمد الباقر عليه السلام حيث قال: (والله ما يُتقرَّب إلى الله تبارك وتعالى إلاَّ بالطاعة.. مَنْ كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومَنْ كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، وما تُنال ولايتنا إلا بالعمل والورع عن محارم الله). وفي حديث آخر: (إنَّما شيعة عليّ المتباذلون في ولايتنا، المتحابّون في مودتنا، المتزاورون لإحياء دين الله، الذين إذا غضبوا لم يظلموا، وإذا رضوا لم يسرفوا، بركة على مَن جاوروا، سلمٌ لمن خالطوا).
وما أروع هذا الوصف للنبي وآله الذي تتضمنه الصلوات الشعبانية المروية عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام: (اللهم صل على محمد وآل محمد شجرة النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومعدن العلم وأهل بيت الوحي، اللهم صل على محمد وآل محمد الفلك الجارية في اللجج الغامرة يأمن من ركبها ويغرق من تركها، المتقدم لهم مارق والمتأخر عنهم زاهق واللازم لهم لاحق، اللهم صل على محمد وآل محمد الكهف الحصين وغياث المضطر المستكين وملجأ الهاربين وعصمة المعتصمين، اللهم صل على محمد وآل محمد صلاةً كثيرة تكون لهم رضاً، ولحق محمد وآل محمد أداءً وقضاءً بحول منك وقوة يا رب العالمين).